WAHAJ NOVEL 15-1 FROM 28-01-2022 TO 28-02-2022 Flipbook PDF

WAHAJ NOVEL 15-1 FROM 28-01-2022 TO 28-02-2022

90 downloads 112 Views 747KB Size

Recommend Stories


A-PDF Merger DEMO : Purchase from to remove the watermark
A-PDF Merger DEMO : Purchase from www.A-PDF.com to remove the watermark PDF compression, OCR, web-optimization with CVISION's PdfCompressor ehp |

el_10.htm Euroleague (From to )
Euroleague 2009-10 h p://www.linguasport.com/baloncesto/internacional/clubes/EL/EL_10.htm Euroleague 2009-10 (From 29-09-2009 to 9-05-2010) COMPETI

4N. From Monday to Friday
ITINERARY B : 5D/4N From Monday to Friday Itinerary B: 5D/4N Monday to Friday Sample of a day by day itinerary with the description of the visits a

This workbook belongs to from class
8:30-9:30 9:30-10:30 10:30:11:30 Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday 11:30-12:00 12:00-13:00 13:00-14:00 14:00-15:00 This workbook belongs

Story Transcript

‫وهج الرواية و القصة القصرية‬

‫"قصص مشرتكة"‬

‫ال‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫عي‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫وعة ادس الأر ن ‪ -‬فبراير ‪2022‬‬

‫قائمة المشاركين في المجموعة القصصية‬ Abdelahad Nbk Abdelatif Elaouli Ali Abdelilah Mahel Abdelilah Ouadi Abdelkrim Brahim Abourahim Mou Adnan Rekani Ahmed Ali Sedki Ahmed Mohamed Rezk Aziz Amay Belabar Hamid Hammani Ousmana Ibrahim Ali Kaltoum Ait Azoubair Khaled Hamidi Maizi Fatima Mohamed Hali Mohamed Sellak

‫‪Abdelahad Nbk‬‬ ‫‪- 1_1‬‬‫"مثقف فاقد البوصلة"‪.‬‬

‫جاء (نور)للدنيا من أب فقيه عالمة حنرير‪.‬عرف عن‬

‫األب نبوغه اجلم علما ‪.‬كان اية يف اخللق ‪.‬ترك ذرية من أبرزهم (نور)‪.‬هو اسم على غري مسمى مع األسف ‪.‬بدل وغري وسلك دروبا‬ ‫غري درب أبيه‪.‬شاركه الثقافة و خالفه اخللق القويم‪.‬ظل (نور)وفيا للحانة فقط‪.‬حتى عائلته نسيها ومل يلتفت إليها سوى بكلمة او‬ ‫كلمتني يف اجلنائز أو يف جلسات توزيع اإلرث؟!‪..‬هكذا كانت العائلة وهكذا حتولت من ثقافة مستندة إىل بوصلة االميان إىل ثقافة‬ ‫فاقدة البوصلة سوى من بوصلة التنظري والرتف الفكري الفاقد لنور البصرية واالنسانية‬

‫‪Abdelatif Elaouli Ali‬‬ ‫‪- 2_1‬‬‫‪................‬شيء من جنون‬ ‫كنتِ حلما و طيف خيال‬ ‫نسجه خبَل عقلي‬ ‫من أضغاث و أوهام‬ ‫ملا حيلك ليل‬ ‫و يُلفظ الشيطان من قمقمه‬ ‫شرارةَ نارٍ و دخان‬ ‫أراك شاخصةً إيلٌَ‬ ‫كأني فارسكِ املقدام‬ ‫أحترك يف غيهب السكون‬ ‫و مثالة اهلذيان‬ ‫أمد يدا متثاقلة‬ ‫و أجر رجال متعثرة‬

‫و ماردَُ يكبح حركاتي‬ ‫أنتِ نواحُ غريق‬ ‫و أنا بني هلع و إقدام‬ ‫أخالكِ تنادين إمسا‬ ‫لست أدري إن كنت بني األمساء‬ ‫استجمع قواي‬ ‫أختلص من قيودي‬ ‫تاركا للشياطني فراشي‬ ‫و تتبخرين أنتِ حلما‬ ‫حاكه خيال مرتهل‬ ‫من صنع إبداعي‬ ‫و سقم أوهامي‪...‬‬ ‫عبداللطيف العويل‬ ‫القنيطرة‬ ‫‪2022/02/04‬‬

‫‪Abdelilah Mahel‬‬ ‫‪- 3_1‬‬‫دعواتنا للطفل ريان‬ ‫قصة قصرية واقعية‬ ‫لكاتبها ‪ :‬أ‪ .‬عبداإلله ماهل من املغرب‬ ‫انسل خارج البيت‪ ،‬ويف غفلة من اجلميع‪ ،‬اختذ طريقا قاده لوجهة ثقب غائر مبكان غري بعيد‪ ،‬أقامه صاحبه ومل حيظى منه بقطرة ماء؛‬ ‫لينصرف عنه باملرة‪ ،‬ويرتكه يف العراء من دون عناء ردمه او حتى جمرد تغطيته‪.‬‬ ‫اقرتب منه اهلويين‪ ،‬وأطال النظر اليه؛ وكأنه يظمر شيئا يف اخلفاء‪ ،‬فال هذا وال ذاك أشفى غليله‪ ،‬وكبح مجاح رغبته يف املزيد من‬ ‫االستطالع‪ ،‬وسرب أغوار هذا الثقب‪.‬‬ ‫ومل يدري إال وهو يزحف صوب الثقب‪ ،‬وحبذر شديد جلس على احلافة‪ ،‬وترك رجليه تتدىل بالفوهة‪ ،‬وملا آنس يف نفسه ثقة‪ ،‬طأطأ‬ ‫برأسه ناحية القاع‪ ،‬جال بعينيه وال من قرار يذكر‪...‬‬ ‫ساعتها‪ ،‬أحس بدوران برأسه‪ ،‬ومن حيت ال يدري وكأن يدا خفية انتشلته من سقطة حمققة؛ لريتد عن آخره وينتفض خارج الثقب‪،‬‬ ‫ومن ثم يهرول صوب البيت‪ ،‬ويف قرارة نفسه سر لن يستطع البوح به‪.‬‬ ‫ولوال حادثة الطفل ريان ملا باح به‪...‬‬ ‫دعواتنا للطفل ريان‪...‬‬

‫‪Abdelilah Mahel‬‬ ‫‪- 4_1‬‬‫السلطة‪...‬وأخريا حصل على الشهادة‬ ‫وأخريا حصل على الشهادة‪ ،‬وبقدرة قادر‪ ،‬وجد نفس يرتبع أعلى اهلرم‪ ،‬ويتبوء ذلك املقام الرفيع‪ ،‬دومنا حاجة منه ألي إشهاد‬ ‫جامعي‪ ،‬وحتى ألبسط مؤهل فكري‪ ،‬مما أثار حفيظة من كانوا‪ ،‬باألمس القريب‪ ،‬رؤساء عليه‪.‬‬ ‫كثر حوله القيل والقال حتى اصبح لسان حال الشارع‪.‬‬ ‫كانت الشهادة اجلامعية كابوسا خميفا يؤرقه‪ ،‬ويقض مضجعه‪ ،‬حاول تناسيها مرارا وتكرارا‪ ،‬لكنها كانت مبثابة احلاضر الغائب‪ ،‬مل يقو‬ ‫معها حتمل وقعها‪ ،‬حتى غدت كظله ال تفارقه‪ ،‬ووصمة عار يندى هلا جبينه‪ ،‬كلما اختلى بنفسه او مله الشمل‪ ،‬ويف مناسبة ما‪ ،‬مع‬ ‫اقرانه‪.‬‬ ‫استشاط غيضا‪ ،‬نعل ذلك اليوم الذي ولد فيه نكرة‪ ،‬جمهول النسب‪ ،‬فرتاءى امامه ما تكبده من ويالت ومعاناة‪ ،‬اثناء تردده بني دور‬ ‫املتخلى عنهم‪ ،‬إىل أن مل وكل‪ ،‬فلم جيد بدا من بديل يذكر‪ ،‬غري اإلرمتاء بني أحضان الوظيف‪ ،‬ومن خالل أول فرصة سنحت اليه‪،‬‬ ‫ومبستوى بالكاد‪ ،‬ال يتعدى التمدرس الثانوي‪.‬‬ ‫آنذاك‪ ،‬تقبله الوظيف وبصدر رحب‪ ،‬فكان له ما كان يف عامل السلطة والتسلط‪ ،‬نال من خالله وبامتياز‪ ،‬شرف لقب "بوهراوه"‪،‬‬ ‫فتسلق الدرجات واعتال السالليم‪ ،‬ومن مت شفعت له مسريته القمعية ‪-‬عفوا املهنية‪ -‬ما انعدم يف سجالته الدراسية‪.‬‬ ‫اغلق عليه باب مكتبه‪ ،‬واسرتخى على كرسيه املتحرك‪ ،‬بسط رجليه فوق املنضدة‪ ،‬أشعل سيجارة وأخذ ينفث دخاهنا على أقل‬ ‫من مهل‪ ،‬ومن مت أطلق العنان ملخيلته‪.‬‬

‫وهبدوء الواثق من نفسه‪ ،‬وبدون أدنى‪ ،‬تردد أخذ مساعة اهلاتف األمحر‪ ،‬وما هي إال ساعات‪ ،‬حتى جيئ له بأعلى الشهادات ومن‬ ‫أشهر اجلامعات‪.‬‬ ‫ساعتها‪ ،‬تنفس الصعداء ومل تسعه الدنيا غبطة وسرورا فأقام الوالئم وتلقى التهاني‪ ،‬وفتحت له األبواب على مصرعيها‪ .‬حظي‬ ‫بكرسي باجلامعة‪ ،‬وسخر املرتزقة يف التأليف والنشر فسطع إمسه‪ ،‬وغدا علما على نار ‪.‬‬ ‫لكنه‪ ...‬وكل ما اختلى بنفسه‪ ،‬إال وينتابه ذلك الشعور املميت‪ ،‬او تصادفت عيناه والنظر اىل املرآة‪ ،‬إال وبدا له وجهه على أبشع‬ ‫صورة‪ ،‬فيستحضر مقولة شاعرنا اخلطيئة‪ :‬قبحت من وجه‪...‬‬ ‫ليبصق على وجهه‪ ،‬ويتجرع يف صمت‪ ،‬مرارة اخليبة واملهانة‪ ،‬وحبسرة شديدة وباآلالف من املرات‪ ،،،،،‬ميوت وحييى‪...‬‬ ‫عبداإلله ماهل من املغرب‬

‫‪Abdelilah Ouadi‬‬ ‫‪- 5_1‬‬‫قصة قصرية‬ ‫بقلم د‪.‬عبد اإلله وادي‬ ‫العشاءُ األخري‬ ‫جَلسَت تنتظرُه كعادهتا يف طاولة الزاوية‪ ،‬هناك يف القاعةِ الورائية للنادي‪ .‬قاعةٌ صغريةٌ ‪ ،‬أشْبَه ما تكونُ بِكوخ عتيق‪ .‬هبا طاولتان‬ ‫سوُةٌ برَقائقَ‬ ‫شغّل منذ زمن ‪ ،‬يَعتليها تِمثالٌ من "بْرونْز" لِفالّحٍ نِصْفُ عارٍ يَقبِضُ ِمبحَشٍ كبري‪ .‬جُدراهنا مَك ُ‬ ‫مُتباعِدتان‪ ،‬ومِدفئةٌ مل ت َ‬ ‫خشبيةٍ ٱلوانها داكِنة‪ .‬عُلِّقت بإِحدها ساعةٌ حائطية مُتوقفت العقارب‪ .‬يف اجلانب األيسر‪ ،‬نافذةِ صغرية مكسورَةُ الزُّجاج‪ ،‬ال‬ ‫تدخِل نورا كثريا‪ ،‬مما يزيدُ من عَتمة املكان اليت يُفاقمها ضبابُ دُخانِ السّجائر‪ ،‬ورائحَتها النّتِنَة اليت تعْلق بقماشٍ مُورّدٍ يَكسو‬ ‫السّقفَ املائل للقاعة‪.‬‬ ‫كانت الطاولة من ٱختياره ‪ .‬إختيارٌ أصرَّ عليه منذ أول يوم تعرّفتْ عليه‪ ،‬أو باألحرى منذ أول يومٍ عَرَّفها عليه صديقه ياسر قبل‬ ‫سِننيَ طويلة‪ .‬فعندما طلب منه ياسر اجللوس أول مرة بالنادي‪ ،‬إختار طاولة الرُّكن الصغرية‪ ،‬وٱشرتط أن ال يلتحقَ هبما أحدٌ من‬ ‫معارِفِهِ الكثرْ تفادِيا لإلختالط مبن هبّ ودبّ‪.‬‬ ‫ال زالت تتذكّرُ جيدا يومَها‪ ،‬يومَ قدّم هلا هذا الفتى اخلجول املنحدرَ من إِحدى مُدُنِ اجلنوب املنسيّة‪ .‬لقد كان وقتها شابّا يانِع‬ ‫اجلمال ال يتجاوز العشرين ربيعا‪ .‬طويل القامة ‪ ،‬حنيفُ اجلسد‪ ،‬بِمالمحِ وجهٍ حادّة‪ ،‬وبشرةٍ مسراءَ مجيلة‪ ،‬وشَعرٍ أسودَ مُتموِّج‬ ‫سلِيتان الواسعتان تشعان بريقَ نباهتِه امللْفتة‪ .‬ولكنّ‬ ‫مُتدلّي‪ ،‬وشاربٍ خفيفٍ يَعلو فمًا صغريًا بشَفتني ممتلئتني‪ ...‬كانت عيناهُ العَ َ‬

‫حيائهُ يَجعل نظراتِهِ خاطِفةً متهربة‪ .‬وكانت ثقافته الواسعة تسعِفهُ للحديثِ يف شتّى املواضيع بِل ْكنَةٍ بَدَويّة بَيِّنَة ‪ ،‬وصوْتٍ خافِت‬ ‫مُتردِّدٍ يَفْضح بعضًا من خَجَلِه ‪.‬‬ ‫ملا رَأتهُ أوّل مرةّ ‪ .‬قالت يف قرارةِ نفسٍها ‪ ،‬كيف لِياسر أن يُصاحب شخْصـا مِثل هذا‪ .‬فياسرُ املجاز حديثا يف عِلم اإلجتماع ‪،‬‬ ‫ورغم كوْنه من نفْس البلْدة ‪ ،‬إال أنه كان بِشخْصِية مُغايِرَة متاما ‪ .‬كان شابا مرِحا‪ ،‬مُتفائال‪ ،‬مُقْبال على احلياة‪ ،‬كثِريَ الكالم‪ ،‬ال تفارق‬ ‫شدّ ٱهتِمامَ من يُحاوِرُه‪ .‬ويُدخل البهْجَة على من‬ ‫سجِم دون تكلُّفٍ مع يُقابِله‪ ،‬يَ ُ‬ ‫النُّكتٕة لِسانه وال املستملحاتُ حدِيثه‪ .‬يَنْ َ‬ ‫شمِس و قدّمَهُ هلا بِلباقتِه املعهودة‬ ‫يُسامِرُه‪ .‬ويقنع اجلميعَ بقرب غدٍ أفضل يَسْعدُ فيه الكلّ‪ .‬أتا بِه عصْرَ ذلك اليومِ الرّبيعِيّ امل ْ‬ ‫وهَمَس هلا ‪ :‬إِنّه ٱبن بلدتي‪ ،‬حَلَّ بالعاصمة للدِّراسة‪ .‬إنّه صديقٌ عزيز‪ ،‬وإِنسانٌ طيِّبٌ خَجول‪ .‬ليس له أصدقاء غيْري‪ .‬وأنا كما‬ ‫تعلمِني‪ ،‬سأَهاجِرُ إىل كندا األسبوعَ املقبل لٱستكمالِ دِراسٕتِي هناك‪ .‬وقد ال أرجعُ أبدا‪ .‬ال ميكنين أن أكِلهُ لغريِكِ‪ .‬ولنْ أطمئِنَّ‬ ‫عليهِ يف غريِ صُحبَتِك‪ .‬لقد عَرَفتكِ عن قربٍ منذ ِمدّة ‪ ،‬وأعلمُ جيدا أنّكِ قادرةّ على ذلك‪ .‬أستحلِفك باللّهِ أنْ تعتنِي بِهِ كما يَجِبْ‬ ‫‪ .‬وأرجو منكِ أن تعطِيهِ الوقتَ الكافِي للتّأقلمِ مع واقعِهِ اجلديدْ‪ .‬أريد منكِ أن تأنِسِي وحدتهُ‪ ،‬أن تجبِري خاطرَهُ‪ .‬أن تنفِّسِي‬ ‫عنهُ كرَبَهُ و تساعدِيهِ على تخطِّي أزماتِهْ‪.‬‬ ‫كان عِشقها لِياسر الذى عَرَفتْه منذ أربع سنَوات وفتونها به ‪ ،‬أكربُ من أن ترفضَ له طلبًا‪ ،‬فوَعَدته على مَضضٍ بأن تعتين بصديقِه‪,‬‬ ‫وليْتها مل تعدْ‪ .‬فخليلها اجلديد ‪ ،‬وهو ما سَتكتشِفهُ سريعا ‪ ،‬كان مِزاجيا‪ ،‬بشخصيةٍ مركبة‪ .‬مُتذبْذِبُ القناعات ‪ .‬قليل الكالم‪،‬‬ ‫كثريُ املالم‬ ‫تذكّرَتْ كيف أمْضت مَعَه سِنني دراسته الطويلة‪.‬كان يواعدها عادة مساءَ يومِ اجلمعة‪ .‬يَجيئها مُثقال بعياء األسبوع ‪ ،‬مُغتاضًا من كل‬ ‫صرٰفِ املِنَحة الطُّالبِية‬ ‫شيئ‪ ،‬مستاءأ من املقررات‪ ،‬حَنِقًا من بعض أساتذته‪ ،‬من سطحِية الطلبة وبالدة الكثري منهم‪ .‬من تعَطّل َ‬ ‫على هَزالتِها‪ .‬من ظروف سَكنِهٍ باحلي اجلامعي وغرفِه الرّباعية‪ ،‬ومراحيضِه ومحّاماتِه املشرتكة‪ ،‬حيث النظافة شِبهُ منعدِمة‪ ،‬و املاءُ‬ ‫الساخنُ ال يتوفرُ إال مبِقدار‪ ،‬ويف مناسبات نادِرة‪.‬‬

‫كان عليها أن تنصت اليه بعناية كبرية‪ ،‬وتتحمل عباراته الفظّة‪ .‬وهو يُحدثها عن زخَم احلركة الطالبية‪ ،‬عن رِجعية التيّارات‬ ‫السَّلفية‪ ،‬وعن حلقيات النقاش باحلرَم اجلامعي ‪...‬مل تكن تفهمُ الكثريَ ممّا يقول عن األحزاب الليربالية وصراعها مع اليسار‪ .‬عن‬ ‫وجاهة املبادئ االشرتاكية‪ ،‬وعن خبث الرأمسالية الغربِية اليت تؤسّسّ للتّفاوتِ الطّبقي‪ ،‬وتنشُر ثقافة األستهالك املقززة ‪.‬‬ ‫صدَ حديثِه‪ ...‬وال معاني الكثريِ من مُصطلحاتِه ‪ ....‬لكنّها كانت تجيد اإلِنْصاتَ‪ ،‬و كانت سَحْنَتها‬ ‫مل تكن تستوعبُ جيدا مقا ِ‬ ‫صمْته ولو لثوانٍ لِكي تهدِّأ من رَوْعِه بالتدريج‪ ،‬فيَلنيُ خاطِرُه‬ ‫توحِي دائما بأهتمامها باملوضوع‪ ....‬ثم يف الوقت املناسب‪ٍ .‬تستغِلُّ َ‬ ‫‪ ،‬ويَصفىٰ مِزاجُه‪ .‬وبعدها فقط يظهرُ اجلانب الشاعِرِيّ من شخصيته‪ ،‬فيبدأ يف النُّطق بأشعارِ الغرام‪ ،‬والبوْح مبَعسول الكالم‪ .‬ثم‬ ‫يَسرتسِل يف احلديثِ بٱستفاضة عن أحالمِه وعن براجمِه املستقبلية الطموحَة ‪ .‬و عندما يَشعُر بالعياء‪ ،‬يُودِّعها قائال‪ ...‬نلتقي‬ ‫األسبوع املقبل إذا مسَحَتْ بذلك مُقرراتُ دراسيت املجهِدةْ‪ .‬ولكنّه يَقصِدُ طبعًا‪ ،‬إذا مسحت بذلك ظروفه املادية الصّعبة‪ .‬كانت‬ ‫حِنكتها وكثرةُ جتارهبا مع خِالّنَ كثرٍ سَبَقوهُ وسَبقوا ياسر من قبلِه‪ ،‬تجعل منها خلِيلةً جِدَّ مُتفهِّمَة‪...‬‬ ‫متضي السِّنونُ بسرعة ‪ ،‬يُكمل دِراستهُ بتفوُّق‪ ،‬ويَحصل على وظيفةٍ جيّدةٍ بإحدى الوزارات‪ ،‬براتبٍ مريحْ وٱمتيازاتٍ مُهِمّة‪ .‬سَكنٌ‬ ‫وَظيفِيّ ‪ ،‬سيارة ْمصلحةٰ‪ ،‬ومِنحَةٌ نِصفُ سنويّةٍ سَخيُة‪.‬‬ ‫ٍَفيَتبدّل حاله غريَ احلال‪ .‬أصبح اآلن بتسرحيةِ شعرٍ جذّابة ‪ .‬وَوَجهٍ حليقٍ على الدّوامْ‪ ،‬ونظّارات رفيعة من بلد العمّ سام‪.‬‬ ‫أصبح هِندامُه الرثّ أنيقا‪ .‬بِذالت إيطالية مُوقّعة‪ .‬ورَبطاتُ عنقٍ مجيلةْ‪ .‬ساعات سويسريةٌ فاخرة‪ .‬وعُطورٌ باريزيةٌ غالية ‪ ،‬وسجائرُ‬ ‫بريطانيةٌ مستوردة‪ ....‬مل يشمل التغيريُ شكلهُ وطريقة لِباسِهِ فقطْ ‪ ،‬فمِزاجه أيضا أصبح أصفى‪ ،‬وحديثهُ أحلى ‪ .‬بكلمات الني‬ ‫وأرقى‬ ‫سهِ من إحساسه باحلرج‬ ‫أصبح يُواعدُها كل مساء‪ .‬ويُنفِق عليها بسخاء ليُعوِّضها عن صربِها عليهِ أيامَ الدراسةٰ ‪ ،‬وينتقمُ لنف ِ‬ ‫عند الدّفع يف آخر السهرة أيامَ الفقر وقلة احليلة‪ .‬ال أعاد اللّه من أيام كما كان يَحلو لهُ أن يُردِّدَ دائمـًا ‪...‬‬

‫كانت تلك الفرتة حبق ‪ ،‬أسعدَ الفرتات يف عالقتهما الطويلة املتقلّبة ‪ .‬وأضحتْ سعادَتها بال حدود عندما باح هلا ذات مرة يف حلظة‬ ‫ٱنتشاء‪ ،‬أنه مل يعد يستطيعُ التخلي عنها ‪ ،‬و أنه مل تعد تغمضُ له عني ليلًا إذا مل يزُرها ومل يُجا ِلسْها يف املساء‪ .‬فاطمئنت ‪ ،‬واقتنعت‬ ‫أهنا أحكمت وِثاقه‪ .‬وأنه أصبح مِلكًـا هلا‪ ،‬ولن يستطيعَ بعد الٱن نِسياهنا‪...‬‬ ‫لكنّه ذات مساء‪ ،‬عاد ليُفاجئها من جديد‪ .‬فبعدما تناول عشاءه حبضرهتا كعادته‪ .‬أخربها أنه لن يراها قبل مدة‪ ،‬ألنّهُ سيُسافر‪.‬‬ ‫سرَةً!!! ‪ ,‬تسافر اىل البلدة لزيارة السيدة الوالدة ؟ بل لرؤية كل أفراد العائلة أجاهبا‪ ....‬لقد دعوت اجلميع‬ ‫تسافر؟ قالت مُستف ِ‬ ‫‪ .‬لِحفل زفايف هناية األسبوع اجلاري‪ ،‬وبعدها سأسافر اىل تركيا لقضاء شهر العسل هناك‪.‬‬ ‫ماذا ؟‪...‬ردّت وهي حتاول إخفاءَ ٱنفِعاهلا‪ .....‬حفل زواج؟‪ ...‬وشهر عسل ‪...‬هكذا‪ ...‬بدون سابق‬ ‫إعالم؟‪.....‬قاطعها بنَربَةٌ حادّة‪ ....‬أجل‪ ،‬كما تسمعني‪ .‬هل كنتِ تظنّني أنين سأطلب منك إذنا بذلك‪ .‬فعالقتنا كانت‬ ‫رِضائيةً منذ البداية ‪ ،‬ومن غري ٱلتزام‪ .‬ومل أعدكِ يوما بأن تدومَ إىل األبد‪.‬‬ ‫ٕال ‪ ...‬ال تغضبْ قالت وهي تحاول تدارُك األمر‪ ...‬فقطْ ‪ ...‬لقد فاجئتنِي ‪ ...‬إهنا حياتك اخلاصّة‪ ،‬تفعل هبا ما تشاءْ‬ ‫‪....‬أما أنا‪ ،‬فعلىٰ ما يبدو‪ ،‬لستُ أكثرَ من وَنِيسةٍ من الدّرجةِ الثانيةْ ‪.‬تؤنس وحشتكْ‪ ،‬وتنسِيكَ مشاكلك ْ مقابِل دراهمَ‬ ‫معدوداتْ‪.‬‬ ‫َْمل يدَعها تكمل جُملتها‪ .....‬دفع احلِساب للنادل وٱنسحب دون أن تنفرِجَ شَفتاهُ عن كلمةٍ إضافيةْ‬ ‫إستفاقت من غفٍوهتا على وقع قهقهاتٍ مُنبعِثة من ٍالطاولة املجاورة‪ ،‬ظنّت بدأً أهنا ضحكاتُ سُخريةٍ مِنْ حالِها وهي تنتظرُ لساعاتٍ‬ ‫عشيقها الذي قدْ يأتي أو ال يأتي‪ ...‬لكن عندما ٱنتبهت‪ ،‬فهِمَتْ أن هذه الضحكات هي كالعادة أثرُ نكتةٍ من نكتِ السيد إدريس‬ ‫التُّحفةْ‪ ،‬قيدوم املنخرطني‪ ،‬ذلك املتقاعد السبعيينُّ ذو القبَّعة اإليطالية ْالرمادية ‪.‬والشاربِ االبيضِ الكثيفِ املفتولِ اجلانبني والغليونِ‬ ‫االسود ِ العتيق الذي ال خيمد دخانه أبدٌا‪.‬‬

‫قالت لِنفسِها‪ ،‬أنَّا ينتبِهُ إيلَّ أحدُهُمْ‪ ،‬فالكل مشغولٌ باحلديث الشيّق إلدريس التُّحفة‪ ،‬ومسحورٌ بِرُفقةِ مَن أ ِلفَ كخليلةٍ من زميالهتا‬ ‫على ٱختالف أشكاهلِنّ‪.‬‬ ‫عادتْ بعد هُنيهَةٍ ‪ ،‬لتغرَق من جديدٍ يف ذكريات عالقتها املعقّدة معه‪ ....‬فبعد زواجه يف عمره الثالثني‪ ،‬مل ترَهُ ملدّة طويلة‪ .‬حتى‬ ‫كادت أن تستسلم لليأس من إمكانية لقائه ثانية ‪ .‬فبدأت تستعدُّ لنسيانه لألبد‪ ،‬وشرعَت تف ِّكرُ بِجِدّ يف البحث عن خليلٍ جديد‬ ‫‪ ......‬غري أنه يف يوم من األيام‪ ،‬وبدون سابِق إعالم‪ .‬حضر النادي مبكرّا يف بداية الظهرية‪ ،‬جلس اىل طاولته اليت وجَدها‬ ‫شاغرة ‪ ،‬إقرتب منه النادل حسن وبادله التحية‪ ،‬وبدَا متفاجئا من رؤيته فبادر بسؤاله ‪ ،‬أين ٱختفيتْ؟ مل أرك منذ زمن‬ ‫طويل‪ ....‬لقد إستغربتُ األمر‪ ،‬وعندما سألتها عنك‪ ،‬أبلغتين أنّكَ يف مُهِمّة خارج الوطن‪ .‬على كل حال‪ ...‬محداً هلل على‬ ‫سالمتِك‪ .‬أنا متؤكدٌ أنّكَ مُشتاقٌ إليها ‪ .‬سأذهب ألخبِرَها بِقدومِك كي حتضر للِقاءِك يف احلال‪.‬‬ ‫ََّعندما قابَلتْهُ حافضتْ على هدوءها‪ .‬فٱستهل الكالم‪ ....‬أعلم أنك مُغتاضة من غيابي الطويل‪ ،‬فسنتني ليست الشيئ ‪.‬‬ ‫أدرك أنك مُستاءةٌ من جفائى وعدم سؤايل عنكِ ‪ ،‬و أتفهم ذلك‪ .‬لكن‪ ،‬إعذريين ‪ ،‬فللضرورة أحكام كما يقال‪ .‬كانت جتربة‬ ‫الزواج مُرْبِكةً يل إىل حدٍّ كبري ‪ ...‬فبَعد شهر العسل إِنقضتْ شهورٌ يف ٱكتشاف عالم الزواج ‪ ...‬بعدها ٱنشغلتُ بإعادة‬ ‫محلٍ ووالدة مُضنيتيْن ‪،‬ثم سهرٌ إجباري لشُهورٍ على إيقاع صُراخ‬ ‫تشطِيب الشُّقة وما تالها من زيارات العائلة‪ ،‬ثم فتْرتيْ ْ‬ ‫املولود‪ ...‬ولكنْ‪ ،‬وهلل احلمد ‪،‬‬ ‫لقد أمتت بُنَيّتِي عامها األول اخلميس املاضي ‪.‬‬ ‫ويبدوا أن لياليِها أصبحت أهدأ بكثري‪.‬‬ ‫تلك الليلة‪ ، .....‬بعدما زودها بتفاصيل أخباره‪ ،‬جنح يف جَبْرِ خاطرها وٱستمالتها من جديد ‪ ،‬فأبرمَ معها اتفاقا مَفادُه أنه‬ ‫سيُقابلها مرةً واحدةً يف األسبوع خالل وجبةِ الغذاء‪ ،‬مباشَرةً بعد مُغادرة مكتبِه ليتمكّن منَ العوْدة للبيتِ دون إثارةِ انتباهِ أمِّ‬ ‫ٱبنتِه‪ ،‬وكذلك كان ‪...‬‬

‫توطّدت العالقة بينهما من جديد ‪ .‬لكن‪ ،‬مع مرور الوقت‪ ،‬حتولت املرّة اىل مرّتني وثالثة ‪ ،‬ثم سائر أيام االسبوع‪ ....‬وأصبحت‬ ‫جلسة الظهرية تستمِرّ اىل وقتٍ متأخر من اللّيل‪ ... .‬مرّت شهورٌ وسنني على على هذا احلال ‪ ....‬ثم بدأت عصبيته‬ ‫وميزاجيته القدمية تطفوانِ على السطح من جديد ‪ .‬أصبحت عُقدة لسانِهِ تنفكُّ يف هناية كل سهرة ‪ ،‬فيلومُها على ما صنعت به‪.‬‬ ‫ويُحمِّلها مسؤولية ما وصل اليه‪ .‬يُشبعها سُبابا ‪ ،‬و يلعَنُ اليومَ الذي عرّفه فيه عليها صديقه ياسر‪ .‬ال ساحمه اهلل‪ .... .‬أما هي‪،‬‬ ‫فال تجادله‪ ،‬وتكتفي بوعدِه أنّها سوفَ ترسِلهُ باكرًا لزوجته يف املرة القادمة‪....‬‬ ‫َكانت الساعة تشريُ إىل السابعة مساءا حينما وَصَل وجَلسَ قبالتها‪.‬‬ ‫مساءُ اخلريِ قالتْ ‪.....‬لقد تأخرتَ عن موعِدك ‪ ،‬ما الذي أخرك عين؟‪ .‬أجاهبا‪ ...‬فعال تأخرت وكِدْتُ أن ال أحضر ‪...‬‬ ‫فرَدّتْ منزعجةً!!! ملاذا‪...‬؟ أنا متأكدة إهنا هي السّبب‪...‬فالزوجة تكون دائما هي السبب‪...‬إهنا ال حتتمل أن يرتكها‬ ‫الزوجُ يف البيت‪ ،‬ويذهبَ لِلقاء أصدقائه‪ِ ..‬تستكثِرُ عليه سُوَيعَةً هَنِيّة مع خِالّنه ِلنِسيانِ متاعِب احلياة‪...‬‬ ‫قاطعها‪.....‬من فضلك ال تظلميها‪ ...‬فهذه املرة‪ ،‬ال عالقة هلا باملوضوع‪ .‬لقد فكرتُ طويال‪ .‬وقرّرتُ أن أغري الكثري من األمور‬ ‫مجدَ ٱخنراطي يف النادي اىل األبد‪ .‬لقد أطفأتُ مشعيت اخلمسني ليلة البارحة‪ .‬وجئتُ اليوم ألبلغك وجهًا‬ ‫يف حياتي‪ ،‬وأولها أن أ ِّ‬ ‫لوجه أنين لن أراكِ بعد اليوم‪.....‬‬ ‫كان وقع خرب قراره هذا‪ ،‬كصاعقةٍ يف مساء صيفٍ صافية‪ .‬أصِيبتْ بالذُّهول ‪ ،‬فلم تقوى على أبسطِ تعليق ‪ ،‬وساد صمتٌ قاتل‬ ‫لدقائقَ طويلةٍ ظنّتها لن تنتهي‪....‬‬ ‫طلب وجبة العشاء ‪ ،‬وعندما أحضرَها النادل‪ .‬قرّب منه صَحنه هبدوء ‪ ،‬وبدأ يف تناول ما طلبَ‪ ،‬على مهَل وبشهيةٍ مفتوحة‬ ‫كاملعتاد ‪ ،‬وراح يبادهلا بني الفينة و األخرى نظرات وداعِ قبل الوداع‪ ،‬لكن دون أن ينبس بكلمة اىل أن فرغ من األكل‪ .‬بعدها‪ ،‬قام‬ ‫وقال بصوت واثق هذه املرة‪.....‬علي الرحيل‪....‬وداعا‪.‬‬

‫عند مدخل النادي‪ ،‬عندما كان يتأهّبُ ملغادرتِهِ للمرة األخرية‪.....‬سلّم عليه العمُّ صابر‪ .‬حارس البوابة الذي كان قد وصَل للتّو‬ ‫‪ ....‬وخاطبَه بنربةِ مُندهِش ‪....‬إهنا بالكاد الثامنة مساءا‪...‬أراك تغادر مبكرًا‪... .‬فأجابه ‪ ،‬بل تأخرت‪....‬لقد‬ ‫تأخرت كثريا ‪...‬‬ ‫مل يفهَم احلارسُ قصدَه جيدًا وأردفَ سائال‪ ....‬وكيف ٱستطعتَ اإلنسحابَ من حضرتِها هبذه السهولة كيف تركتكَ تغادر يف‬ ‫بداية األمسية‪ ..‬أنا أعلم أهنا لعُوبٌ متسلِّطة‪ ...‬مستبِدّة‪ ...‬ومن شِبه املستحيل التخلُّصُ من شِراكِ غنَجِها‪ ،‬والنفوذ من براثِنِ‬ ‫سِحرها‪.‬‬ ‫فأجابه بوهدوء ‪ .....‬ببساطة‪ ،‬ألنين هذه املرّة دون غريها ‪ ،‬چئتُ مُقتنعا بقراري‪ ،‬فكنت حازما يف حِواري ‪ ،‬وأبلغتها بصدقٍ‬ ‫أهنا لن تراني بعد اليوم ألن لقائنا الليلة سيكون من أجلِ عشاءِنا األخري ‪....‬‬ ‫متتم احلارس‪ ،‬ولكن‪......‬مل يرتك له الوقتَ ألمتام سؤاله وقال‪ ...‬عليّ الرّحيِل‪ .....‬وداعًا سيد صابر‪.‬‬ ‫تقدم بضعَ خطواتٍ حنو الشارع الرئيسي‪ ،‬أوقفَ سيارةَ أجرة صغرية‪ ،‬إستقلّها فٱختفت بعد ثواني‪...‬‬

‫‪Abdelilah Ouadi‬‬ ‫‪- 6_1‬‬‫قصة قصرية بقلم‬ ‫د‪.‬عبد اإلله وادي‬ ‫التاجرُ الوَرِعْ‬ ‫وصل احلاجّْ عبدُ اللّه السّوق‬ ‫األسبوعيَّ للقريةِ فجرَ يوم اخلميس كما دأب منذ بِضْعِ سِنني‪ .‬بعدما أدّى الرّسمّ املعهودَ حلارسِ بابِه‪ .‬رَكنَ سيّارتهُ النّفعِيَة البيضاء‬ ‫يف املوقفِ املخصّصِ له ثم التحَقَ خبيْمة "السي" العربي ليُصيبَ فطوره‪ .‬طلبَ برّادَ شاي وكيلوغراما من اإلسفنج ليتقاسَمَهُ بسَخاءٍ‬ ‫مع ثلّة مِنَ التّجار واملتسوِّقنيَ املبْ ِكرينَ من شُيوخِ القرية‪ .‬أتاهُ الصّيب بصينيّةٍ هبا برّاد حبجْمٍ عائلي ‪ ,‬سُ ّكريةٌ بقطعِ سُكّر كبرية‪،‬‬ ‫سبَ الطُّقوسِ املألوفةِ لدى أهلِ البادية‪ ،‬واغتنم‬ ‫وسِتّةِ كؤوسٍ دُكّت بإحداها ربْطة نعناعٍ طازج ‪ .‬أخذ يُحضِّرُ الشايَ على مهل حَ َ‬ ‫ٱلوقتَ الالّزمَ الستواءِه‬ ‫كي يتبادل احلديثَ مع ضيوفهِ و يطّلعَ على جديدِ أخبارِ القرية‪ .‬كان من بني ما أخرب بهْ‪ ،‬أن إمامَ املسجدِ قد نقل يف حبْرِ األسبوعِ‬ ‫للمُستشفى اجلامعيّ بعد تدهور حالتِهِ الصِّحية‪ .‬فأبدىٰ أسفه ودعا له بالشِّفاء العاجل‪ ،‬ثمّ وَعدَ بأنْ يزورَهُ ليطمئِنّ عليه‪ ،‬ويُوصِي‬ ‫باإلعتناءِ به كما جيب ‪ ،‬فمعارفه هناك كثرية‪.‬‬ ‫ضعَهم باملاء‪ ،‬نصَبوا اخلِيام ونشَروا سِلعهُم بعناية‬ ‫بدأتْ احلركة تدِبُّ تدرجييا فى املكان‪ .‬توافد الباعة تِباعًا‪ ،‬رشّوا موا ِ‬ ‫كي يرتكوا كالعادةِ مَمَراتٍ ضيِّقةً للمُتسوقني ‪.‬‬

‫بعد وجبةِ فطورِهِ اجلماعِيّ الدّسِمة ‪ ،‬إستأذنَ اجلميعَ مُردِّدا‪ ..‬يا فتّاحْ يا رزّاق‪ ...‬يا مُعِنيْ على االرزاق‪ .‬لنقم على بركة اهلل اآلن‬ ‫للعمل‪ ،‬فالعمل عبادة‪..‬‬ ‫أدرك سيارته وأخذ يُنزِل بِضاعته ويرُصّها بتأن‪ ،‬كانت عبارةً عن قواريرَ بالستيكيّةٍ مُعبّأة مبُنظٍّفِ ثياب يُحضره بنفسه بطريقة‬ ‫شعُّ من وجهه املستدير‪ ،‬وحليته الرماديّة‪ ،‬وأثر‬ ‫تقليديّة يف منزلِه بالعاصمة‪ .‬كانت حالوةُ لسانِه تثريُ ٱهتمامَ زبنائه‪ ،‬وكان النور الذي يَ ِ‬ ‫ض عباءتة النّاصع‪ ،‬فكان دليله الدّامغ على جوْدةِ سِلعتِه وسِرّ رواجِ جتارته‪.‬‬ ‫السُّجودِ على جبهتِهِ ما يُكسبُهُ ثقتهم‪ ،‬أما بيا ُ‬ ‫قبل أذان صالةِ الظهر بنصفِ ساعة‪ ،‬كان السوق قد أوشكَ أن يفرَغ من مُرتاديه ‪ .‬وكان قد أمتّ للتّو بيعَ معروضاتِه‪ .‬فأقفل سيارتهُ‬ ‫وقصَدَ املسجد‪.‬‬ ‫‪ .‬بِبابِ املسجد‪ ،‬وجد جِبْلةً من املصلّني يُناقشُون آخرَ أخبارِ صحّةِ اإلمام باملشفىٰ واليت مل تكن لألسفِ تنبىء خبري‪ ،‬و هو ما‬ ‫يستدعي التّفكريَ جبِدٍّ يف إجيادِ من يُعوِّضه‪ ...‬بعد اآلذان‪ ،‬قام شيخ القبيلةِ ليأمّهمْ للصالة ‪ ،‬إذْ كانّ أكربَهم سِنًّا وأكثرَهم وَقارًا‪.‬‬ ‫كان شيخا سبعينيا حسن الوجه‪ ،‬أمسر البشْرة‪ ،‬ختطُّ جبهتهُ جتاعيدُ خفيفة‪ ،‬عيناهُ غائرتان‪ ،‬وجنتاهُ بارزتان‪ ،‬أنفه حادّ وشَفتاهُ‬ ‫رقيقتان تنفرِجانِ عن طقمِ أسنانٍ مجيلٍ عند كلّ ٱبتسامة‪ .‬كان هندامه األنيق يُبدي أثر النّعمة عليه‪ ،‬ويوافق منزلتهُ بني أهلِ القرية‪.‬‬ ‫جِلبابٌ خممليٌّ بُنّيِ داكن‪ ،‬وعَمامَةٌ صفراءُ فاقِعة اللون‪ ،‬مُحكمة اللّفة حول رأسه األصلع ‪ ،‬فال تكشف اال جُزءًا من قنّتِه‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫بعدَ الصّالة وقبل أن يَنفضّ املصلُّونْ‪ .‬أزِف ذات الشيخِ اىل احلاج عبد اللّه وأوْعَز إليه أن اجلميع ينتظره يف اليوم التايل ‪ .‬وأنهم بعدَ‬ ‫التّشَاورِ مل جيدوا أفضل منه إللقاءِ خُطبة اجلمعة‪ .‬وقد أمجعوا على هذا الرأي ألنّه حاجًّ مُتعلِّم‪ ،‬وتاجرِ تقِيْ‪ ،‬بسمعةٍ طيّبة‪ .‬حيفظ‬ ‫شريف‪ .‬كالمُهُ ال خيلوا من موْعِضةْ‪ ،‬ولسانهُ ال يَكفُّ عن ذِكْرِ اللّه‪.‬‬ ‫الستّنيَ حزبًا ويُحيط باحلديثِ ال ّ‬ ‫عندما مسِعَ احلاج عبدُ اللّه ٱقرتاحَ الشيخْ‪ ،‬عَطفَ وجهَهُ تجاهَهُ وٱلتمَعَتٰ عيناهُ وأسَرَّ سعادةً يف نفسِه مل يُبدها له ‪.‬وقال يف‬ ‫صمتْ‪ ...‬لعلّها أول قطرةٍ من غيثٍ مقبلْ‪.‬‬

‫إبتسم بٱستحياء ثم أجاب ‪..‬ما عسايَ أن أقول‪ .‬رغم مشاغِلي الكثرية‪ ...‬لن أستطيع رفض عملٍ عَظمَ أجرُهُ عند اخلالقْ‪.‬‬ ‫سأكونُ يوم الغدِ يف املوعد إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫كانت خطبةً مُتَّزنة‪ ،‬تناولتْ حالوة اإلميان وفصّلتْ لذّاتِ جنّةِ النعيمِ اليت وعَدَ الرمحانُ عباده املؤمنني‪ .‬خُطبة صاغها بلغةٍ دارجةٍ‬ ‫ضفَ فيها الكثريَ من األمثلةِ والقصص الشعبية‪ ،‬فراقت كل املصلِّنيْ‪.‬‬ ‫مُبسّطة و َّ‬ ‫بعد جُمعيتيْن ‪ ،‬أقام صالةَ جنازةِ الفقيهْ وبكاهُ كثريًا‪ .‬ثم تقدَّمَ موْكِب تشييعِهِ اىل مثواهُ األخريِ مبقربةِ البلدة‪.‬‬ ‫كلّفَ احلاج عبْدُ اللّهِ بعد ذالك رمسيّا بإمامةِ‬ ‫املسجد فاصبح مقيما بسُكنىٰ الفقيدْ‪.‬‬ ‫‪.‬توالت األيام وتوالتْ معها خُطبُ اجلمعةِ اليت القتِ ٱستحسان الساكنة ‪ .‬فأصبحَت أعدادُ املصلّني تتزايدُ أسبوعا بعد آخر‪،‬‬ ‫وعندما حتسس منهم القبول‪ ،‬إستقدمَ الكثريَ من بين عُمومته‪ .‬تكلّفتْ بناتُ عمِّه بتنظيمِ دروسِ حمْوِ األمّيةِ لفائدةِ نساءِ القريةٰ‪ ،‬وعمِلت‬ ‫على هتذيبِ الفتياتِ وتفقيههن يف الدين وتعليمهِنّ حِرفَ الطّرزِ واخلياطةِ وفنون الطّبخ و التدبريِ املنزيل‪ .‬وتكلّف أبناء عمِّه خبلقِ‬ ‫تعاونيةٍ فالحيةٍ تجمّعُ صِغارَ الفالحني‪ ،‬وتزودهم بعرباتٍ لبيعِ منتوجاتِ فالحتِهم املعاشيةٕ ‪.‬كما سهِروا على تنظيمِ محالتِ إعذارٍ‬ ‫ألوالدهِم وتغطيةِ نفقاتِ مآتِمِ موتاهم ‪.‬‬ ‫تعاظمتٰ شعبية احلاح عبد اهلل بني القرويني‪ ،‬وجنحَ يف ٱستمالتِهِم كل أسبوعٕ أكثر بفضل خطبِهِ احلماسِية الرنّانةْ ‪ ،‬واليت يُذكِّر فيها كلّما‬ ‫سرُ علىٰ عطالةِ شبابِها‬ ‫مسحت له الفرصة بأنّه أصبحَ يعتربُ نفسه ٱبن هذه القرية‪ ،‬وأنه يتأسًف على التهميشِ الذي يطالها‪ ،‬ويتح ّ‬ ‫الذي يهجرها أفواجًا‪ ،‬وحيزُنهُ جتبُّرُ املزارعنيَ الكِبارْ‪ ،‬الذين يستغِلّون ضيعاتٍ كبريةً يف مِلكية اجلماعةِ القرويةِ بدونِ وجهِ حقّ ‪،‬‬ ‫مستفيدين من عالقتِهم بالرئيس‪.‬‬

‫كان يردّدُ أن الفالحنيَ البُسطاءِ هبذه البلدةِ املباركةِ يستحقّون ظروفَ عيشٍ أفضل‪ .‬أن السّوق األسبوعي حيتاجُ لتأهيلٕ كي‬ ‫تتضاعفَ مداخيلهمْ‪ ،‬واملستوصفُ حيتاج لتجهيز إلعتناء أكربَ بصحتهم‪ ،‬واملدرسة حتتاج لرتميمٍ لتعليمٌ أجودَ البنائهم ‪ ،‬وبيت‬ ‫الطالبة يستلزم توضيبا إليواء بناهتم‪....‬‬ ‫يف أحد األيام‪ ،‬بعد صالةِ العصر وتالوةِ احلِزب‪ ،‬فاحته الشيخ يف موضوع ترقًبَه طويال‪....‬قال سيدي اإلمام ‪ :‬جئتك اليومَ بطلبٍ‬ ‫وأرجوا منكَ أن ال ترُدّني خائبا‪ .‬لقد ٱرتأى القومُ ٱن يُرشِّحوك للرئاسة‪ ،...‬فاإلنتخابات باتتْ على األبواب‪ .‬والكلّ أصبح مُقتنعًا‬ ‫بأنّ وقتَ التّغيريِ قد حانْ‪ ،‬فالرئيسُ احلايل مل خيدُم إال مصاحل األثرياء من املزارعني من أمثاله طيلة مدُتيْ رئاسته‪ ،‬ومجيع األهايل‬ ‫مُعجبون بشجاعتِك يف اجلهرِ باحلقّ‪ ،‬ومقتنعون حببك للبسطاءِ وهُمٰ كثر‪ .‬وإني ألعاهدك إن أنتَ قبلت‪ ،‬أنّ كل األصواتِ ستكونُ‬ ‫من نصيبك‪.‬‬ ‫كان أقرتاح الشيخ بطعْم نِصفِ مفاجأة‪ ،‬فلطاملا راوده حلم الرئاسة منذ أوّل خطبةِ مجعةٍ ألقاها‪ .‬لكنه ظل يضمر نواياه بإحكام‪ .‬ترك‬ ‫احلاجُّ عبد اهلل الشيخَ يُكمل كالمهُ وهو مطأطأ الرأس‪ ،‬ثم أجابه ‪ ...‬واللّه لقد أحرجتين سيدي الشيخ‪ .‬إنّ املسؤولية أمانة‪،‬‬ ‫ض أن حتملنها‪ .‬وأنتَ تعلم أنين إنسانِ ال حاجة له يف زخرفِ احلياة‪،‬‬ ‫واألمانة وزرٌ ثقيل‪ ،‬أبَتِ السماواتُ واألر ُ‬ ‫ولٰكنّكَ تعلمُ أيضا أنين لن أستطيعَ أن أرُدّ لك طلبا‪ ،‬و لن أتوانى عن خدمة هذه القرية اليت ٱحتضنين أهلها الطيبون مهما كلفين ذلك‪.‬‬ ‫سأتشرفُ خبِدمتهِم وسأجعل من بلدهتم هته جنة هلل يف أرضه‪.‬‬ ‫إكتسح احلاج عبد اهلل نتائج اإلقرتاع كما كان مُنتظرا ‪...‬ففاز بكرسي الرّئاسةِ ونصّبَ بين عُمومتهِ مستشارين له‪ ،‬لكنّه يف خطوة‬ ‫غري منتظرة‪ ،‬أبقى على الرئيس املنتهيةِ واليتهُ كعضوٍ يف اجمللس وجاد عليه‪ ،‬هو وأحد أقربائهِ مبَنصبَني مُحرتمني‪ .‬وعند مراسيم‬ ‫التعينيِ وتسليمِ السلط‪ .‬قدِم احلاج عبد اهلل ببذلة سوداء وربطة عنق رفيعتني وقد قصّر حليته‪ .‬وصرَّحَ بأنه لن ينتقل للسّكن الرِّئاسي‬ ‫باجلماعة‪ ،‬وأنه سيواصل اإلقامة مبنزل الفقيه ألن بيت اللّه أرحبْ‪ ،‬وسيكتفي بسيارة املصلحة وسائقها وباقي التعويضات‪.‬‬

‫إنتظر أهل القريةِ بشائرَ التسيريِ اجلديدِ للجماعةِ لزمن طويلْ‪ ،‬وقبِلوا أعذارّ الرئيس عبد اهلل اليت ال تنتهي‪ .‬ردّد كثريًا أنه دائما عند‬ ‫وعده‪ ،‬لكنه لسوء احلظّ‪ ،‬جيدُ مقاومةً شرسةً من قِبَل املنتفعني القدامىٰ يف اجلماعةْ‪ ،‬والذين مل يكن يسميهم بأمسائهم وإمنا ينعتهم‬ ‫"باملخلوقات الشريرة"‪.‬‬ ‫كان أول قرار رمسي اختذه‪ ،‬هو رفع الدعمِ عن العَلفِ واحلبوبِ املختارة‪ ،‬وعلل ذلك بأن املستفيدَ األكربَ من هذا الدعم هُم املالَّك‬ ‫الكبارٍ‪ ،‬وأنه زيادةً على ذلك‪ ،‬سيُرغِمُهم على تأدية رسمٍ سنوي ‪،‬مل يكشِف عن قيمتِهْ‪ ،‬مقابل مواصلة ٱستغالهلِم لضّيعات اجلماعة‪.‬‬ ‫مل يكن رفعُ الدعمِ عن العلف واحلبوب التدبريَ الوحيدَ الذي إهتدى إليهِ احلاج عبد اهلل إلثراءِ مداخيلِ اجلماعة فقد أقام سورًا كبريا‬ ‫حول السوق ورفع قيمة رسم الولوج إليه‪ ،‬و أوكل تدبري الكهرباء لشركة خاصة بدل اجلماعة لتستفيد الدواوير النائية ولو بفواتري‬ ‫أثقل‪ .‬فرض ضريبة نقل على كل العربات‪ ،‬القدمية منها واجلديدة ‪ ،‬بل و حتى املتوارثة منها أبا عن جد‪ ..‬قلص الئحة الفتيات‬ ‫املستفيدات من دار الطالبة‪ ،‬وحصرها يف من ال ميلك والدُها أكثر من بقرة او عنزتني‪ ،‬بل ٱبتدعِ رمساً "تضامُنيّا" يؤديه مرغما من‬ ‫يطيقه من آباء التالميذ عند إعادة تسجيلهم‪ ،‬وذلك طبعا القتناء مقاعدَ جديدةٍ ألبناءِ املعوزينْ كما كان يدعي‪ .‬امّا املستوصف‬ ‫املهرتئ‪ ،‬فقد أوصى طبيبَ القريةِ ان يبذل جمهودًا أكرب يف عمله‪ ،‬وأن يتوكَّل على اللّه بقلب صايف ليهديَهُ للتشخيصِ الصّحيحِ‬ ‫للحاالتِ املرضيةِ بالقرية والدواءِ املناسبِ هلا‪ .‬وذلك طبعا يف ٱنتظار جتهيزِ املستوصف باملعدَّات الالّزمة‪.‬‬ ‫ص عملٍ‬ ‫مرّت الشهور والسّنني بسرعة ‪ ،‬ومل تتحسّن أحوال القرويني‪ .‬فهَجرَ الكثريُ من الشبابِ القرية قاصدين املدينة حبثا عن فر ِ‬ ‫وعدهُم هبا الرئيس و مل يوفِّر هلم منها إال القليل‪ ،‬وبشروطٍ تعجيزية‪ .‬وهجَر الكثري من املزارعني املياوِمِني القرية يف ٱتّجاهِ القرى‬ ‫اجملاورةِ بعدما أصبحتْ ساعاتُ عملِهِم بضيعاتِ اجلماعةِ أطول وأجرهتم أقلّْ‪ .‬ثمّ هجَرَ الكثريُ من املصلِّنيَ املسجدَ بعدما ضاقو‬ ‫ذِرعا بوعودِ الرئيس اليت ال تأتي ‪ ،‬و بعد شيوع أخبارٍ قادمةٍ من املدينة تفيدُ أن الكثريَ من مستشاراته ومستشاريه يعيشون يف دعة‬ ‫بالعاصمة‪ ،‬يركبون سيارات فارِهةٰ‪ ،‬يلبسون ثيابا عصرية غري الئقة‪ ،‬ومنهم من عدّد الزِّجيات خفية ‪ ،‬و منهم من صار يواعد الفتيات‬ ‫اليافِعاتٍ رغم شيبِه وتقدَُمِ سِنّهْ ‪ ،‬بل منهم من ذهب أبعدَ من ذلك والعياذ باللّه‪ ،‬يف تناقضٍ صارخٍ مع ما يُبدي من ٱستقامةٍ ووَرَعٍ‬ ‫بالقرية‪.‬‬

‫بعد مخس سنوات‪ ،‬اندحَرَ احلاج عبد اللّه بطريقة مهينة يف االنتخابات اجلديدة بعدما قرّر أهل القريةِ إعادة انتخابِ الرئيس‬ ‫األسْبق‪ .‬مل يستسِغ هزميتهُ النكراءَ ّيوم الفرْز ‪ .‬لقد إكتشفَ يف ذهول أن عددَ األصواتِ اليت حصل عليها تعدُّ على رؤوسِ أصابعِ اليدِ‬ ‫الواحدة‪....‬‬ ‫إنسحَبُ خلسةً من مركز التصويت‪ ،‬وأمضى ليلةً تعِسةً مل يَغمضْ له فيها جفٰن وبات يفكر يف خمرج من أزمته الغري منتظرة‪ .‬عند‬ ‫مساعه اآلذان‪ .‬صلىّ الفجرَ يف بيته‪ ،‬ولكي يتحاشىٰ نظرات الشامتني‪ ،‬قصدَ بيت غر ِميهِ باكرًا ليُهنئهً سرا على فوزه‪ .‬ويستعطفهُ‬ ‫باملناسبةِ‪ ،‬ويطلبَ منه الرّمحةّ لعزيزٍ قومٍ ذلّْ‪ ..‬كان الرئيس جدَّ متفهم‪ .‬إستقبلهُ بلباقة كي يرفعَ حرجه ويُبدِّدَ خماوفه ‪ ،‬ثم وعده أن‬ ‫أوّل قرارٍ سيتخذه عند ٱسرتجاعِ مهامِّه‪ ،‬هو أن يفوِّتَ له واحدةً من أكربِ ضيعاتِ اجلماعة‪ٰ .‬ولكنّهُ طلبَ منه أن يعتزل إمامة املسجدِ‬ ‫ويتواىٰ عن االنظار‪.‬‬ ‫قبِل احلاج عرض الرئيس بفرحٍ كبري وأثنى على شهامته وكرمه‪ ،‬ثم قبَّل كتفهَ ورفع كفيهِ للسماء ليدعو له بالصحة والعافية والتوفيق يف‬ ‫مسؤوليته املقبلة قبل أن ينصرف‪.‬‬ ‫بعد مدة‪ ،‬ذات مخيس‪ ,‬وصل شيخ القبيلة باكرًا للسوق‪ ,‬فألفى احلاج عبد اهلل حتت خيمة "السي" العربي وحيدا أمام صينية‬ ‫سهُ منكسرةً‪ ،‬وتجَلىّ ذلك يف‬ ‫الشاي وصحن اإلسفنج‪ .‬كان يلبس ذاتَ عباءتِهِ البيضاء‪ ،‬لكنها بدَتْ أهبت من ذي قبل‪ .‬كانت نف ُ‬ ‫مُحيّاه الذي صار أقل نظارة‪ ،‬وعيناهُ اليت أضحتْ أقلّ ملعانًا‪ .‬حيّاه ثم جلس اليه ‪،‬فٱستبشرَ احلاجُّ ورَدّ السالمَ وسألهُ عن حالهِ‬ ‫وحالِ األهايل ‪ .‬ثم دعاهُ لكأسِ شاي‪ ،‬غري أن الشيخ إعتذر بأدب وقال‪ :‬ال داعي أيها احلاج‪ .‬لقد تقدم بي العمر‪ ،‬وقد أوصاني‬ ‫الطبيب عند آخِرِ زياراتي له أن أجتنّب احلالوة كيف ما كان شكلها‪......‬فهِم عبدَ الّله قصدَهُ لكنّهُ حاول التّغافل وٱستطرد‬ ‫قائال‪ :‬سيدي الشيخ‪ ،‬أنا أعلم أن الكثري من السُّكان يف البلدة يآخذني على قراراتي ‪ .‬ولكين فعلتُ كل ما فعلته خِدمةً ألهل‬ ‫القرية ‪ .‬حتى أنين مل أحبث يوما عن مصلحةٍ خاصة‪ .‬وأما الضُّوَيعة اليت تكرّمَ علي هبا السيد الرئيس جازاه اهلل ألف خري ‪ .‬فلم‬ ‫أطلبها منه‪ ،‬لقد جاد هبا عليّ من تِلقاء نفسه عندما علِم أنين ٱنقطعتُ عن التجارة‪ ،‬وأن معاشي اهلزيل مل يعُد يُغطِّي مصاريفَ‬

‫حياتي املتواضعة برُفقة زوجيت ‪ .‬وإنين على كل حال أتعهّدُ أمامَك وأمام اللّه أن أغيِّر الكثري من األمور‪ ،‬وأن أصلِح كل شيء إذا‬ ‫فزت يف اإلستحقاقات املقبلة‪.....‬‬ ‫إبتسم الشيخ ٱبتسامة ازدراء ‪ ،‬وحَدج مُحاوِرهِ بنظرة مُبهمة قبْل أن يسألهُ هبدوء‪.‬‬ ‫هل تعلم سبب وفاة فقيهِنا رمحة اللّه عليه؟‪ .‬أجاب احلاج‪ ...‬سألت عنه األطباءَ ومل يكنُ جواهبم واضحًا‬ ‫فتابع الشيخ ‪....‬أنا أعرف سبب وفاته‪ .‬لقد زرته يومني قبل أن يُسلِم روحَه الطاهرةَ لبارئه‪ ،‬ولقد أسَرَّ يل أنه يف إحدى الليايل‬ ‫الباردة قبل مرضه‪ ،‬خالل عودته من السوق‪ ،‬وجد يف طريقه ثعبانا قد جتمّدَ من شدة الربد‪ .‬فرقَّ حلا ِلهِ ووضعهُ يف قبِّ جِلبابِه كي‬ ‫يدفىء قليال قبل أن يُطلق سراحه‪ .‬لكنه عند مَشارِف املسجد‪ ،‬وقبل أن يَصِل إىل مسكنِه‪ ،‬أحس بلسعةٍ يف عنقه‪ .‬فأدرك أن‬ ‫الثعبان بعدما أحسّ بالدفئ وجرى الدّم يف عروقه من جديد‪ ،‬مل جيد أقرب من وريده لينفث فيه مسه قبل أن يلوذ بالفِرار ‪ .‬مل يُرِد‬ ‫الفقيهُ أن يبوحَ بذلك لألطباء لِكي ال يَضِيعَ عليهِ أجرُ أنقاذِه لكائنٍ حيٕ من موتٍ حمقّقٍ بسداجة ‪ .‬ولكنّه ٱستحلفين أن أبلغ‬ ‫األهايل بوصيتة اليت مفادها أن الثعابني ال تؤتمَن‪ ،‬وأن املظاهر خداعة‪ ،‬والطيبوبة قد تهلكُ صاحِبها‪ ،‬فاألفاعي كما قيل قدميا‪ ،‬وإن‬ ‫النتْ مَالمِسُها‪ ،‬عند التّقلُّبِ يف أنياهبا العَطب‪.‬‬ ‫قام الشيخ ليودع احلاج عبد اهلل قائال ‪ :‬فليساحمنا اللّه مجيعا‪ ....‬ثمٌ ٱنصرف وترَكه كما وَجَده‪ .....‬وحِيدًا‪ ،‬شاردًا أمام‬ ‫صينيّته‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪Abdelkrim Brahim‬‬ ‫‪- 7_1‬‬‫جزء من رواية‪ :‬احللي املسروق‬ ‫بقلم‪ :‬إبراهيم عبد الكريم‬ ‫‪ ).................(.‬وقد عادت من احلمام‪ ،‬مكان النساء املفضل للخوض يف مواضيع خاصة بعيدا عن رقابة الرجال‪،‬‬ ‫وبعد أن أعدت سعاد الطعام ووضعته على الطاولة‪ ،‬ونادت اجلميع لتناول الغداء‪ ،‬مسعت طرقات على باب البيت اخللفي‪ ،‬تقصت‬ ‫سعاد األمر وسرعان ما عادت مهرولة واحلرية بادية على وجهها وهي تصرخ ‪ " :‬ٲمي‪ ،‬ٲمي‪ ،‬إنه عمي‪ ،‬إنه عمي "‪ ،‬قامت السيدة‬ ‫فاطمة من مكاهنا والدهشة تغمرها‪ ،‬حبثت عن منديل تغطي به رأسها‪ ،‬خصلة تلك من خصال املراة يف تلك املرحلة التارخيية‪ ،‬كان‬ ‫البد أن تغطي رأسها حينما تستقبل رجال غريبا عنها‪ ،‬توجهت فاطمة حنو الباب ولسان حاهلا يردد‪ " :‬اهلل يسمعنا مساع اخلري‪..‬‬ ‫اهلل يسمعنا مساع اخلري "‪ .‬فعال‪ ،‬كان الطارق هو السيد موسى‪ ،‬أخ زوجها‪ ،‬جبلبابه الصويف األبيض وعمامته الصفراء‪ ،‬رجل ال يكثر‬ ‫احلديث مع الناس والنساء خصوصا‪ .‬كان إمرؤا متحفظا ميتنع عن مصافحة النساء وال ينظر إليهن إن حتدث معهن‪ .‬استقبلته آمنة‬ ‫واخلوف ميزق كل جزء من جسدها كسكني‪ .‬فرغم بعدها عن عائلة زوجها األول أهنا ما زالت تتذكر جيدا يوم حاولوا أن يفرقوا‬ ‫بينها وبني ٲبنائها ‪ .‬حيته آمنة من عتبة الباب وهي تتصنع الظهور مبظهر القوة وطيب احلال‪ ،‬عرضت عليه الدخول فاعتذر لتغيب رب‬ ‫البيت عنه‪.‬‬ ‫انتابتها احلرية وهي تسائل نفسها عن سر هذه الزيارة الغريبة‪ ،‬توقفت هنيهة تنتظر منه أن يفصح عما حيمله من أخبار‪ ،‬بدأ بإقرائها‬ ‫سالم عائلته وهي تعلم أال عالقة حمبة تربطها هبا‪ .‬كانت ترتقب أن ينطق بكلمة " طالق " لكنه ظل مرتددا يف الدخول يف املوضوع‬ ‫الذي قطع ألجله املسافة الطويلة‪.‬‬

‫تسمرت صامتة وهو حيدثها حديثا طويال وكأهنا تتلقى أوامر من زوجها‪ .‬مل حترك ساكنا‪ ،‬إال مرة أو مرتني بصوت خافت‪ ،‬بقي‬ ‫األطفال متوارين وراء الباب يرهفون السمع علهم يتصيدون معنى يبني هلم سر زيارة العم‪ ،‬باستثناء الفتى الذي مل يعر األمر اي اهتمام‪،‬‬ ‫فلم يكن يعرف الرجل الذي حيدث والدته‪ ،‬ومل يكن مهتما للتعرف اصال عليه‪.‬‬ ‫طال احلديث بني األم وصاحب اجللباب األبيض يف جو هادئ حلوايل الساعة ونصف الساعة‪ ،‬مل يُسمع خالله صراخ أو مشادات‪ ،‬وهي‬ ‫طريقة تتميز هبا آمنة يف احلديث إىل اآلخرين‪ .‬مل يسبق هلا ٲن رفعت صوهتا يف وجه أحد ومل تكن تكثر من الدردشة‪ ،‬وكثريا ما‬ ‫كانت تعرب عن فكرهتا بنظرات مصحوبة حبركات دالة على معناها‪ .‬أما وقد طال حديثها هذه املرة مع صاحب اجللباب األبيض‪ ،‬فال‬ ‫شك وأن هذا األخري قد محل اليها جديدا قد تتوقف عليه أمور كثرية يف حياهتا وحياة أبنائها‪.‬‬ ‫عاد الرجل من حيث اتى دون أن يطلب رؤية أبناء ٲخيه ويطمئن عليهم ويتفقد مقر سكناهم مل يتبينوا ان كان قد توىل ساخطا ام‬ ‫راضيا‪ .‬بعد انتهاء اللقاء‪ ،‬توجهت فاطمة إىل غرفتها دون أن تنبس ببنت شفة‪ ،‬كانت تبدو وكأهنا تدير حوارا داخلها‪ .‬عهد عنها‬ ‫األطفال أن كلما قابلت غريبا أو استحضرت ذكرى سيئة اال ورفعت يديها إىل السماء تدعو رهبا أن حيفظ هلا أبنائها من كل سوء‪.‬‬ ‫إال أن األمر اختلف هذه املرة‪ ،‬فقد أغلقت على نفسها ومضت حتدثها بصوت مسموع غري مفهوم حتى راود الشك أطفاله بأهنا‬ ‫مست‪.‬‬ ‫فجأة صرخت باعلى صوهتا ‪ " :‬فني كانوا هاذي آربع سنني‪ ،‬فني كانوا بال ما يفقدوا احفادهم"؟‪ ،‬وقد كبحت دموعها بالسقوط‪ ،‬ال‬ ‫تريد أن تظهر بصفة األم الضعيفة‪ ،‬تركت كل تساؤالهتا معلقة يف سقف صدى صوهتا املرتدد‪ ،‬وكأهنا توبخ شخصا ما‪ ،‬تلم يشك كل‬ ‫من مسعها واستغرب هللوستها تلك أن الشيخ نفسه هو املقصود؟ ظلت تصب جَامَ عتاهبا على ظروف حياهتا التعيسة اليت مل تبتسم‬ ‫هلا ابدا‪ ،‬لتعود وتتوجه باجابتها إىل خماطبها االفرتاضي‪ .‬كانت من حني آلخر‪ ،‬تشد بيديها على رأسها وكأهنا تعتصره من شدة األمل‪.‬‬ ‫" ياربي أعييت من هذه املشاكل" هكذا كانت تردد واألطفال يراقبوهنا بنظرات تائهة بني الصمت واإلنتظار أو النطق مبا هم غري‬ ‫قادرين على فهمه‪ ،‬فهم اجلميع أهنا سئمت من أدران احلياة‪.‬‬

‫فقد األطفال شهيتهم لألكل وتراجعوا عن املائدة لعل أمهم تستفيق من صدمتها وتلتحق هبم‪ ،‬لكن تاخرها طال والطعام حيملق يف‬ ‫وجوه من زهد فيه على غري العادة‪ .‬توجه كل اىل شانه‪ ،‬ينتظر من يأكله‪ ،‬سعاد حنو غزل الصوف‪ ،‬الولدان حنو هلومها‪ ،‬أما الفتاة‬ ‫الشاطرة فقد تكلفت برتتيب الطاولة وغسل األواني‪.‬‬ ‫أخريا قطعت فاطمة خلوة انفعاهلا‪ ،‬كانت تبدو كالغائبة رغم حضورها الطبيعي‪ ،‬ال تعري اهتماما ملا جيري حوهلا‪ ،‬حترك رأسها‬ ‫وكاهنا تريد أن تقول ال ملا بينته هلا عائلة زوجها‪ ،‬ثم هتمس لنفسها بصوت يكاد يسمع ‪ " :‬كنت ٲمهنية آ عباد اهلل !!"‪ ،‬تصمت‬ ‫قليال ثم يرتفع صوهتا املظلوم وكأهنا استسلمت لألمر الواقع و رضخت ألوامر ال يعرف مصدرها غريها ‪ " :‬عمكم جاء ليطلب‬ ‫منا الرجوع معه إىل املنزل !!"‬ ‫دل إحباطها على أهنا فقدت كل رصيد شجاعتها اليت بفضلها أنقذت نفسها وأبناءها من كبد أعدائها‪ ،‬أين البدوية اليت حتملت كل‬ ‫املشاق طوال السنني املاضية دون أن تئن أو تشتكي إىل أحد أو تلوح مبا يعتصر داخلها؟ كانت هتذي وكان املوقف قد حسم يف‬ ‫موضوع العودة إىل جوار عائلة زوجها‪ .‬مل يكن بوحها البنائها استشارة حتتمل القبول او الرفض‪ ،‬بل كانت إشعارا هلم بقرار قد اختذ‬ ‫وانتهى منه‪.‬‬ ‫مل تكن صاحبته بالطبع‪ ،‬فقد أرغمت على قبوله‪ ،‬وما على أبنائها سوى الرضوخ لسلطة الواقع‪.‬‬ ‫فرنسا‬ ‫‪2022/1/7‬‬ ‫إبراهيم عبد الكريم‬ ‫املغرب‬

‫‪Abdelkrim Brahim‬‬ ‫‪- 8_1‬‬‫اجلزء األول من قصة طويلة‪ ،‬حتت عنوان‪:‬‬ ‫دموع على ضفاف املهجر‬ ‫بقلم‪ :‬إبراهيم عبد الكريم‬ ‫" البد من احلصول على شهادة الدكتوراه " هذا ما كان يردده علي يف قرارة نفسه وهو يتأهب ملغادرة وطنه وأهله لاللتحاق جبامعة‬ ‫السوربون بفرنسا‪ ،‬كان قد توصل بشهادة تقر قبول طلبه يف التسجيل هبذه الكلية املشهورة عامليا‪ ،‬جامعة السوربون‪ ،‬اليت يعود بناؤها‬ ‫اىل القرون الوسطى‪ ،‬على يد غوبيغ سوربون يف عهد ملك فرنسا سان لوي سنة ‪ ،1253‬يف البداية كانت خمتصة يف علم الالهوت‬ ‫لتتحول إىل جامعة سنة ‪ 1257‬واآلن تعترب أكرب مركز ثقايف وعلمي يف أوروبا هلا قيمة كبرية عند الفئة املثقفة‪ ،‬خترج منها جل‬ ‫املفكرين العرب ‪ ،‬مثل األديب املصري طه حسني‪.‬‬ ‫حلم االلتحاق بالسوربون راود علي منذ قراءته لكتاب األيام" لطه حسني‪ ،‬املقرر مبدارس الثانوي املغربي‪ ،‬ساعده على ذلك‬ ‫رغبة والديه ملا ملسوه فيه من ارادة جاحنة على السري إىل األمام يف طلبه للعلم واملعرفة‪ ،‬على الرغم من املعاناة اليومية يف توفري‬ ‫حاجيات الرمق اليومي‪ ،‬كان علي ميين النفس يف حتقيق الدكتوراه والعودة إىل الوطن لالستقرار بالقرب من العائلة و إعالتها‪ .‬كان قد‬ ‫حصل على شهادة املاسرت مبيزة حسن جدا‪ ،‬شعبة اآلداب الفرنسي ‪ .‬كان تلميذا مثابرا و جمدا يف عمله‪ ،‬بدء تعلمه للقراءة والكتابة‬ ‫باملسيد على يد إمام املسجد القريب من منزهلم‪ ،‬كان يفضل القيام بواجباهتا املدرسية قبل اللعب مع اصدقائه‪ ،‬حفظ جزءا كبريا من‬ ‫القرآن الكريم ‪ ،‬مازال يتذكر حفظه لسورة الرمحن وهو مازال صغريا وما تال ذلك من فرح يف وسطه العائلي ال سيما والديه‪ ،‬وخروجه‬ ‫برفقة أصدقائه كما تفرضه العادة فيما كان يسمى "ب‪ -‬زوق لوحيت"‪ ،‬والطواف بني األزقة جلمع ما يعطيه الناس ليقدمه اىل سيده‬

‫الفقيه الذي سهر على تعليمه القرآن الكريم وحفظه‪ ،‬كان شغوفا باملطالعة ال يهدأ له بال حتى يسرب أغوار كل كتاب وقع بني يديه‪ ،‬لكن‬ ‫لسوء احلظ كان املصدر الوحيد الذي كان يقرضه الكتب هي مكتبة املؤسسات املدرسية‪ ،‬لكن ويا لألسف‪ ،‬مل تكن حتتوي على‬ ‫كتب يف خمتلف املعارف‪ ،‬يف الغالب كانت ال تتعدى املراجع واملصادر الدينية أو بعض الروايات ‪ .‬حتى أبواه مل تكن هلما القدرة املالية‬ ‫على مساعدته يف شراء بعض القصص أو الروايات اليت كان يفضلها‪.‬‬ ‫بعد الثانوي بدأ يف التحضري ملسريته الدراسية العليا‪ ،‬كان يهتم كثريا مبطالعة الكتب الفرنسية‪ ،‬واالطالع على حياة أدباء فرنسيني‬ ‫وغريهم أمثال فيكتور هوجو وفولتري وغريهم ممن لعبوا دورا مهما يف عهد التنوير الذي شهدته فرنسا قبل ثورة عام ‪ ،1789‬كما قرأ‬ ‫لبعض األدباء املغاربة الفرنكوفونيني أمثال الطاهر بن جلون وسعيد ملوكي وغريهم‪ ،‬لكنه مل يهمل لغته االمازيغية‪ ،‬لغة أجداده اليت كان‬ ‫يتكلمها يف بيتهم ومع اجلريان‪.‬‬ ‫يف صباح يوم من أوائل شهر غشت خرج علي من بيته من بعد ما ودع والديه وأصدقائه واجلريان‪ ،‬كان اجلو صحوا والسماء صافية‪،‬‬ ‫كانت الشمس قد نسجت خيوطها اليت اشتد قيظ أشعتها منذ الساعات األوىل من الصباح‪ ،‬مل يتمالك نفسه لتذرف الدموع من‬ ‫عينيه وهو يعانق ابويه‪ ،‬ال سيما أمه اليت خط الشيب شعرها‪ ،‬مل تتعود على فراقه‪ ،‬كانت تربطه هبا عالقة هلا طابعها اخلاص‪ ،‬كان‬ ‫يفضي هلا بكل ما يف قلبه‪ ،‬كما كانت بدورها تزوده بكل النصائح اليت حيتاجها شاب يف مقتبل العمر‪ ،‬فراقه ألمه زاد من آالمه‪ ،‬كان‬ ‫منظرا مؤملا جلميع احلاضرين‪ .‬توجه إىل املطار برفقة صديقه عماد الذي حصل بدوره على شهادة املاسرت يف األدب العربي‪،‬لكنه‬ ‫فضل البقاء يف املغرب ليجتاز امتحان مدرسة تكوين أساتذة السلك الثاني‪. .‬‬ ‫وجد علي سعاد تنتظره باملطار لتودعه‪ ،‬سعاد هي الفتاة اليت احبها منذ سنوات االعدادي‪ ،‬جاءت خلسة اىل املطار وبيدها هدية‬ ‫مثينة طلبت منه اإلبقاء عليها عربون حمبتها له اىل أن يتم رجوعه من ديار املهجر وحيقق هدفه باحلصول على شهادة الدكتوراه‪ ،‬كانت‬ ‫عبارة عن خامت من ذهب‪ .‬قبل أن يرتكها ويدلف داخل املطار‪ ،‬اقرتبت منه سعاد‪ ،‬ويف حركة غري عادية قبلته على شفتيه‪ ،‬ثم‬ ‫عاودت ذلك ثالثة مرات متتالية‪ ،‬عانقته بقبلة طويلة دون هناية‪ ،‬وكأهنما ال يريدان أن يفرتقا‪ ،‬حركة مل يٲلفها منها‪ ،‬كان ذلك ألول مرة‬

‫منذ أن تعرف عليها ألكثر من عقد من الزمان‪ ،‬كان جيمعه هبا حب عفيف بكل مقاييس االحرتام لألعراف والتقاليد‪ ،‬ثم ودعته‬ ‫بابتسامة شاحبة‪،.‬‬ ‫بعد االنتهاء من كل اإلجراءات القانونية‪ ،‬مجركية وغريها‪ ،‬ركب الطائرة ليجد نفسه وحيدا‪ ،‬يف هذه االثناء تفجرت ينابيع احلنني بقلبه‬ ‫وأدرك أنه فعال ترك كل شيء وراءه‪ ،‬مخسة وعشرون سنة من ماضيه مبا يف ذلك عائلته ووطنه يف اجتاه بلد أوربي ال عالقة له به إال‬ ‫ما مسعه عنه وما تعرف عليه من خالل ما قرأه عنه يف بعض اجملالت والروايات اليت سبق له ان تصفحها لكتاب فرنسيني يعتربون من‬ ‫خرية ما أجنبت املدارس الفرنسية يف مجيع األصناف الفكرية واإلنسانية‪ ،‬إال أنه كان مرتاحا إىل حد ما لوجود بعض معارفه وبعض‬ ‫أفراد عائلته يف باري س اليت سيحل ضيفا عليها بعد ساعتني من الطريان‪ .‬سرعان ما اغمض عينيه لتحتضنه الذكريات‪ ،‬احس بغصة‬ ‫تكرب يف حلقه وهو يرى طيف والده يبتسم كلما رسم على رأسه بقبلة‪ ،‬ما زال يتذكر فرحته وهو خيربه حبصوله على شهادة املاسرت‪،‬‬ ‫يف الوقت الذي كان يراود خبز الزبناء قبل أن يدخله يف الفران على الرغم من شيخوخته‪ ،‬كان خبازا ميلك خمبزة مببنى قديم وجدراهنا‬ ‫متهالكة‪ ،‬كان يعمل كل أيام األسبوع دون توقف‪ ،‬مل يسبق له أن ذاق طعم الراحة‪ ،‬يلتحق بعمله ابتداء من بزوغ الفجر إىل ما بعد العصر‬ ‫دون توقف أو انقطاع‪ ،‬عانى كثريا من قسوة العمل‪ ،‬منهم من كان يستغل طيبته فيأخذ اخلبز دون تسديد مستحقاته‪ ،‬يف الوقت الذي‬ ‫كان ينتظر فيه مساعدة من ابنه يف حصوله على وظيفة تضمن له العيش وتضمن عيش عائلته‪ ،‬ها هو اآلن يستمر يف العمل وقد شاب‬ ‫شعره واصبح جسده ميلي عليه حركاته‪ ،‬لقد طعن يف السن وال يعرف معنى للتقاعد‪ ،‬كان يرى يف ابنه علي شبابه الغابر كان فخورا‬ ‫وهو يكرر لكل اجلريان أن ابنه أهنى دراسته بالوطن وأنه مشرف على السفر إىل فرنسا إلمتام دراسته‪ ،‬تذكر أمه اليت طعنت يف السن‬ ‫هي كذلك‪ ،‬كانت قد أخربت احلي بأكمله بزغاريد رنت يف آذان اجلميع وظنوا أن ابنها مقبل على الزواج‪ ،‬تذكر فرحة سعاد العارمة‬ ‫اليت جاءت خلسة لتبارك له وألمه جناح ابنها‪ ،‬كانت أول مرة تقرتب من سكناه‪ ،‬جاءت برفقة صديقاهتا‪ ،‬كان قد قدمها ألمه على أهنا‬ ‫صديقة من صديقاته يف اجلامعة‪ .‬ظل شارد الذهن إىل أن انتشله خرب دخول الطائرة إىل األجواء الفرنسية كما أعلن عن ذلك الطاقم‬ ‫املكلف بالطريان‪ .‬على حني غرة‪ ،‬الحت يف وجهه مالمح احلزن‪ ،‬فشعر بغصة يف حلقه تكاد حتبس أنفاسه‪ ،‬هو االبن البكر عند‬ ‫العائلة‪ ،‬واالبن الذكر الوحيد جبانب فتاتني‬

‫(‪......‬تابع……)‪.. .‬‬ ‫فرنسا ‪2022/1/17‬‬ ‫إبراهيم عبد الكريم‬ ‫املغرب‬

‫‪Abourahim Mou‬‬ ‫‪- 9_1‬‬‫كانت طفلة مجيلة ذات عينان واسعتان‪ ،‬شعر اسود دامس رطب كاحلرير‪ ،‬ال تفارقها االبتسامة‪ ،‬تستيقظ نشيطة مرحة‪ ،‬تقبل يد‬ ‫والدهتا و والدها‪،‬تغسل أطرافها‪ ،‬تتناول فطورها ثم حتمل حمفظة لوازمها الدراسية و تتوجه إىل املدرسة‪ ،‬يف الطريق كانت متشي مشية‬ ‫مالك‪ ،‬حتلق بنظراهتا لتنهل من كل ما هو مجيل و رائع يف الطبيعة‪ ،‬توزع ابتسامتها الربيئة على كل من يتقاطع مع سبيلها‪ ،‬حني وصوهلا‬ ‫للمدرسة كان هناك من ينتظر تلك االبتسامة؛ طفل آخر ينتظر هناك لتكون تلك االبتسامة مصدر إهلام تفوقه الدراسي‪ ،‬حيييها و‬ ‫ينطلق كالسهم واجلا فصله الدراسي بكل حيوية و نشاط‪.‬‬ ‫ما أمجل براءة األطفال فحني حيبون يكون ذلك بكل صدق‪ ،‬بصدق األنبياء‪.‬‬

‫‪Abourahim Mou‬‬ ‫‪- 10_1‬‬‫نعيش احلياة بكل جتلياهتا ‪ ،‬يوما تتوفر لنا كل سبل الفرح و السرور‪ ،‬نسرح بأفكارنا يف كل ما هو مجيل‪،‬حنس بنوع من السعادة و حنن‬ ‫نتجاذب أطراف احلديث مع من حنب بكل صدق‪ ،‬نضحك‪ ،‬نلهو‪ ،‬حنلم‪ ،‬خنطط ألمور مشرتكة‪ ،‬جنمل تصوراتنا‪ ،‬نركب طموح‬ ‫مشاعرنا‪ ،‬نرسم آفاقا للمشرتك من اهدافنا‪ ،‬نتطلع للمستقبل من خالل انعكاس رواسب املاضي على حاضرنا‪ ،‬ويوما نشعر بفقدان‬ ‫البوصلة‪ ،‬فيغيب وضوح الرؤيا‪ ،‬يتعكر صفو اجلو‪ ،‬تتلبد مساء النفس بغيوم حتجب الشعور بالطمأنينة‪ ،‬تتبادر إىل الذهن الكثري من‬ ‫األسئلة يف ظل أوضاع مضطربة‪ ،‬غالء و فقر و حاجة و عوز‪.‬‬ ‫هل توقف الفكر عن إنتاج احللول؟‬ ‫هل هتنا عن الطريق املؤدي للهدف املنشود؟‬ ‫هل أصبحنا عاجزين عن االبتكار؟‬ ‫هل كنا حنلم و افقنا على واقع مغاير ملا عايشناه يف احللم؟‬ ‫هي بعض األسئلة تبادرت إىل ذهين اطرحها على نفسي قبل أن أطرحها على غريي كاستنتاج ملا أشعر به يف حميطنا اإلنساني اليوم‬ ‫لعل نفسي هتتدي ألجوبة شافية لألمل‪.‬‬

‫‪Abourahim Mou‬‬ ‫‪- 11_1‬‬‫ألننا حنب احلياة‪.‬‬ ‫جفاف يف الطبيعة‪ ،‬جفاف يف القلوب‪ ،‬انتظرنا الغيث من السماء فأبى النزول‪ ،‬أوراق أشجار مصفرة شاحبة على وشك حلول فصل‬ ‫الربيع ‪ ،‬نضب املاء على البسيطة‪ ،‬انعدم وجود الكإل الذي حتتاجه املاشية لتعيش‪ ،‬وجه السماء متجمهم و ليس على عادته‪،‬تسيطر‬ ‫عليه كآبة دون غيوم حتمل البشرى‪ ،‬باملوازاة لذلك بشر تائه ال يدري عما يبحث‪ ،‬اختلطت عليه أمور شتى ‪،‬ال هو مسرور و ال هو‬ ‫حزين‪ ،‬يرسل ابتسامة مشوبة بالقلق و عدم الطمأنينة‪ ،‬أناس اختطفوا اخلرفان ثم الطماطم و البطاطس و الربتقال‪ ،‬سلوك ال يبعث على‬ ‫االطمئنان‪ ،‬مسؤولون غارقون يف مقارعة بعضهم بكالم و كالم‪ ،‬ال تفكري ال ختطيط لكنه يبدو كالم يف كالم‪ ،‬احلب فقد كل معانيه ‪،‬هو‬ ‫حب املصلحة الذاتية ما ميأل كل مكان‪ ،‬صداقات غامضة‪ ،‬عالقات ملتوية‪ ،‬الصدق مفقود و النفاق موجود‪.‬‬ ‫مع كل ذلك األمل موجود‪ ،‬من رحم املعاناة خترج املعجزات‪ ،‬الزال فينا طموح لألحسن ينمو و يرتعرع‪ ،‬الزلنا نقاوم العبث‪ ،‬الزال لذينا‬ ‫قلب حيب احلياة‪.‬‬

‫‪Adnan Rekani‬‬ ‫‪- 12_1‬‬‫النص للقاص أديب عبداهلل ‪..‬‬ ‫ترمجة القصة للعربية ‪ /‬شاعر السالم‪ /‬د‪.‬عدنان الريكاني‬ ‫=ء===============================‬ ‫عوائق االحالم ‪..‬‬ ‫ميكن يف هناية قصة هذه املرة‪ ،‬ابطال ملحمة العشق يغنون ويؤدون متارينهم على شارع وسط ضباب ودخان متذمران‪ ،‬لعريس دون‬ ‫ستار العرس هائم بأنفاس رقصة النار‪،‬وأصبح خمرجاً لفلم عوائق األحالم‪..‬‬ ‫***‬ ‫هذه اآلذان مييناً ويساراً فوق األكتاف‪،‬متسح ظفائرها خلفهم‪ ،‬جتمع قِطع األبطال‪،‬ترقص أمام موسيقى معزوفات عزاء الطلقات‪ ،‬تتخمر‬ ‫اآلمال يف عيونه‪ ،‬حتت ظالهلا و ظالل أبطاهلا‪ ،‬تتجمد نواة خريطة األنقاذ‪ ،‬نتاج قانوون األحقاد لألحداث أنتقام لألنتقام ‪..‬‬ ‫البكاء ـ إبتسامة‬ ‫اهلروب ـ حياة‬ ‫الضغوطات ـ إنفجار‬ ‫هتديدات األحتالل ـ حرية و حب ‪.‬‬

‫****‬ ‫ال ‪..‬؟‬ ‫املدينة بذاهتا قصة قدمية‪ ،‬الطبيعة تسرد ذكرياهتا ‪ ..‬هي ملحمة ملحمة‪ ،‬فرهاد خيرق اجلبال‪ ،‬خجو من عشق سيابند تنام هبدوء‬ ‫على ضفاف حبر وان‪...‬‬ ‫ساحة التمرين تسجل ملحمة العشق‪،‬‬ ‫والعشق مببادئها مقياس للحقيقة‬ ‫واحتفالية لألستقالل ‪..‬‬ ‫****‬ ‫املصور ‪ ..‬املخْرِج‪ ..‬امل مثلون ‪ ..‬كلهم أختفو يف أزقة احليّ ‪ ..‬رجعو بلحاهم الطويلة يسردون قصة القصص‪ ،‬بكت األقالم وعيون‬ ‫السيناريست بشدة‪ ،‬لوحة املرآة احلاملة بايامها األخرية‪ ،‬عارية بني يدي الشرطة‪،‬الكل وضع حقدهم بني أفخاذها‪ ،‬أفطموا الرضيع‬ ‫بفوهات بنادقهم‪ ،‬ومن خوف وظلم الشرطة رجعت للنار‪ ،‬زوجها ( حيدقها جبروحه العميقة) حدَّ األنصار‪ ،‬وظلي ‪ ،‬أبتلع‬ ‫السيناريست مبشاهده يف أحشائها‪ ،‬ونظر ايلَّ بتعجب و قالت‪:‬‬ ‫ـ ها !‬ ‫أنا قلت ‪ :‬ها !‬‫ـ ماذا بك خرياً وسط اطراف ثوب مضطرب تصب األفكار بالريح؟‬ ‫ـ النك تسجل ملحمة عشق داخل ضباب مدمين احلشيش‪.‬‬ ‫ـ لو !‬

‫ـ كان ابي يقول‪ :‬لو ـ لعل ـ ميكن ـ بعد ‪ ...‬كلهم ال يأكلون سوى الرتاب‪.‬‬ ‫ـ هل تستطيع قراءة هذا اللوحة ؟ هذا لون وجود مدينة العبيد ‪..‬‬ ‫ـ ال ‪ ،‬إنه طني تارخيكم الفنطازي ! أليس كذلك ؟‬ ‫ـ نعم‪ ،‬إنه إنتاجي األدبي لربيع هذا العام‪ ،‬سوف أعرضه يف معرض وطين‪ ،‬متأكد انه سيحصد اجلائزة األوىل‪.‬‬ ‫ـ اللعنة ‪...‬‬ ‫املصور وضع كأسه على فمه‪ ،‬ومل يدع اجملال ألكمل حديثي‪ ،‬وأردف قائال‪ :‬ألتقطت كامريتي لوحات أعظم و أمجل من هذه‪ ،‬فأيُّ ابداع‬ ‫تتحدث عنه أنت؟!‬ ‫وانا ايضا قطعت كالمة‪ ،‬فقلت‪ :‬سيدي سرد األحداث اليت ريتها بأم عيين‪ ،‬لتبقى اآلن حتى ذلك احلني ‪...‬‬ ‫‪....................‬‬ ‫ حسناً ما هذه اخلريطة على غمد خنجرك ؟ واضح اهنا خريطة مدينة ؟‬‫ نعم ‪.‬‬‫ اتسمح يل‪.‬‬‫ سحبت اخلنجر من غمده‪ ،‬فنظر اليها‪ ،‬فرأى مكتوب عليها (املوت من أجل احلياة)‪.‬‬‫شعرت بان أخذته قشعريرة على جسده‪ ،‬أبعدته اجلفلة عن عدة أسئلة‪ ،‬قال مباشرة‪:‬‬ ‫ـ اتريد اخلنجر أو الكومبيوتر ؟‬ ‫األن كومبيوتر‪ ،‬مبناسبة الكومبيوتر‪.‬‬

‫ـ هل تعرف منه شيء؟‬ ‫ـ الذي صنعه يعرف شيء منه ؟ !‬ ‫ـ نعم ‪.‬‬ ‫ـ ِلمَ صنعه ؟‬ ‫ـ حتى نتخطى به احلدود‪.‬‬ ‫ـ رفع احلدود مباذا تفيد ؟‬ ‫ـ حلفظ حقوق إلنسان ‪...‬‬ ‫حقوق االنسان ‪ ...‬أيُّها اكثر قيمة الكلب أم األنسان ؟‬ ‫ـ ماذا تقول ؟‬ ‫ـ املبالغ اليت تصرف يف عيد ميالد كلب‪ ،‬سينقذ مئات اطفال مدينيت من املوت‪.‬‬ ‫ـ ما هو مستواك الدراسي ؟‬ ‫ـ مل أدرس‬ ‫ كيف ؟!‬‫ اللذين تراهم واللذين تقرأهم ‪ ،‬قرأهتم كلهم ‪..‬‬‫****‬

‫املصور ‪ ..‬املمثلون ‪ ..‬املخْرج ‪ ..‬جلسوا مجيعاً لوضع خطة‪ ،‬حلرب السؤال و الكلمات‪ ،‬وانا قلت خلسة‪ :‬لو عرف الذئب مدى‬ ‫قوته ‪ ...‬؟‬ ‫****‬ ‫مشيت داخل املدينة وقلت‪ :‬واضح إنه عرس بنت امللك‪ ،‬فاملدينة سُ ْكرَى ومَخْمُورَة ‪..‬‬ ‫لكن ‪ ،‬ال ! هذه نباهة من يدفع أكثر‪ ،‬سيقف يف خدمة ضوء الشمس‪ ،‬سيخلد مكانة يف قلب اجلنة‪.‬‬ ‫يف خطوة للنسيان كتب على دفرت الذكرياته‪،‬الرأس الذي تتستاقط منه الكلمة‪ ،‬واملدينة اليت تذبل فيها الرغبات‪ ،‬واضح بأنين ومن‬ ‫أحبين مل يبق لنا وقت لنتفاهم‪ ،‬فأبتسمت حبيبته من بعيد‪.‬‬ ‫قال هلا‪ :‬تعايل حبيبيت وأمسكي زمام الكلمة‪ ،‬وأجعليها يف جيدك‪.‬‬ ‫‪-----------------------------------‬‬

‫‪Ahmed Ali Sedki‬‬ ‫‪- 13_1‬‬‫السالحف ال تبتسم!!!‬ ‫إن كنت مسكة ضعيفة تعيش يف حميط تعيش فيه معك السالحف فهذه خيبة أملك وانتظر اهلالك!!!‬ ‫سألت جدتي رمحها اهلل‪ ،‬يوما عن عيش السالحف يف حميطها‪ ،‬فقالت‪:‬‬ ‫مصرينا يا ابين كمصري مسك يعيش وسط سالحف‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫ كيف ذلك؟ قالت‪:‬‬‫ لعلك ال تعرف شيئا عن مكر السالحف‪ ..‬سأزودك يا ابين مبعلومات عنها‪ .‬قلت‪:‬‬‫ حاضر فكلي آذان‪ .‬قالت‪:‬‬‫ اعلم يا ابين أن السالحف من الديناصورات اليت هي من زمن بعيد فال تعرف شيئا عن زمننا هذا‪ .‬تعيش يف قوقعة مسيكة ال يهمها‬‫من حوهلا‪ ..‬قوقعتها تتكون من صفائح قرنية صلبة مرتاصة‪ ،‬تغطي جسمها حلمايته‪ ..‬فهي تتحرك بكل أمن يف حميطها‪ ..‬وهي‬ ‫تعيش يف الرب والبحر ويف برك املاء‪ ..‬واليت تعيش يف الربك‪ ،‬حتب أن تعكر املاء حوهلا‪ ..‬هلا ميزة خاصة هي أهنا ذات دم بارد‪..‬‬ ‫ال يقلقها وال يزعجها من مترد حوهلا أو بكى جلوع أو عطش يف حميطها‪ ..‬واعلم أهنا حني تبيض‪ ،‬فهي ال حتتضن بيضها‪ ،‬لذا ال ينتظر‬ ‫منها أن حتتضن بيض الغري‪ .‬والسالحف ليس هلا آذان فهي ال تسمع‪ ..‬فيمكنك أن تصيح بأعلى صوتك فكأنك واعظ يف صحراء‬ ‫تصيح بأعلى صوتك وال من يسمعك فيها‪ ..‬والسالحف ليست هلا أسنان‪ ،‬لتعرف هل هي تبتسم لك أم هي غاضبة عليك‪ ،‬بل هلا‬ ‫جمرد منقار حاد تقضم به كل ما جتده جبانبها‪ ،‬اخضرا كان أم يابسا‪ ..‬قلت‪:‬‬

‫ معلومات جد مفيدة ميكن أن نعمل هبا يف حميطنا االنساني‪ .‬قالت‪:‬‬‫ ممكن‪ ..‬ولكن مل تسألين يا ابين‪ ،‬ملاذا السالحف ترغب يف أن يظل ماء الربك عكرا؟ قلت‪:‬‬‫ وملاذا هي ترغب يف هذا‪ .‬قالت‪:‬‬‫ الهنا حتب أن تص طاد يف املياه العكرة‪ ،‬ففي املياه العكر‪ ،‬الكل يسبح يف عشوائية وال أحد يرى أحدا من السباحني اآلخرين حتى‬‫ولو كان عدوه‪ ..‬الكل يسبح يف فوضى‪ ،‬وهذا يُمَكِّنها من اصطياد السمك الضعيف لتتغدى به‪ ..‬عندما يكون املاء صافيا‪ ،‬فهذا‬ ‫السمك ميكنه أن يرى عدوه من بعيد فيمكنه حتويل اجتاهه و اهلروب من اخلطر‪ ،‬وال ميكن حينها للسالحف املكرة اصطياده‪ ،‬وقد‬ ‫متوت جوعا‪ ..‬فالوسط العكر ميكِّنها من توفري وجباهتا والعيش يف رخاء‪.‬‬ ‫قلت هلا‪:‬‬ ‫ فهمت قصدك‪ .‬وهلذا يف نظري‪ ،‬على السمك أن ال ينتظر منقذا سحريا لتصفية مياه بركته‪ ،‬بل عليه أن يعمل جاهدا لتصفيتها‬‫بنفسه حتى ميكنه‪ ،‬ويف شفافية‪ ،‬رؤية من يسعى للتهامه‪ ،‬فيتجنبه ويعيش بقية حياته يف سالم‪ ..‬قالت‪:‬‬ ‫ جيد‪ .‬وهذا ما أردت أن تفهمه من حميطك‪...‬‬‫أمحد علي صدقي‪ /‬املغرب‬

Ahmed Mohamed Rezk - 14_1-

‫‪Aziz Amay‬‬ ‫‪- 15_1‬‬‫قصة قصرية‪-‬يوم يفر املرء‪..‬‬‫قاعة املستشفى الصغرية تضم ثالثة أسرة لرجال حالتهم الصحية جد حرجة‪ .‬الصمت خييم على القاعة اليقطعه سوى رنات متقطعة‬ ‫آلالت طبية حتاول ما أمكن أن تسعف املرضى ومتكنهم من ضخ اهلواء النقي يف صدرورهم‪ ،‬وجعل رئاهتم تستجيب لتلقيه‪ .‬كان‬ ‫املرضى الثالثة املصابون بداء كرونا‪ ،‬يف صعبة‪ ،‬استدعت نقلهم إىل غرفة من غرف اإلنعاش الطيب‪ ،‬لعل األطباء يتمكنون من انقاذ‬ ‫حياهتم‪.‬‬ ‫الرجال الثالثة كانوا من أعمار خمتلفة أصغرهم يف سن األربعني‪ ،‬رجل أفريقي من غينيا بساو امسه "أديرو"‪ ،‬والثاني فرنسي يكربه‬ ‫خبمس سنني يدعى" ميشيل" ‪ ،‬أما الثالث فامسه "جورج"‪ .‬رجل فرنسي ناهز الستني‪ .‬كان بإمكان أن ال يلتقي هؤالء الرجال يف‬ ‫مسار احلياة العادية‪ ،‬لكن الداء الوبيل مجعهم‪ ،‬كما مجع املئات منهم يف خمتلف مستشفيات فرنسا‪ ،‬اليت بدأت أسرهتا غري قادرة على‬ ‫استيعاب املصابني الذي كان عددهم يتزايد يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫الدكتورجوليان وزميلته أماندا‪ ،‬كانا قلقني على حالة هؤالء املرضى باخلصوص‪ ،‬فبعد أن جابا أحد أجنحة املشتشفى ملتابعة حالة‬ ‫املرضى الذين ال زالت حالتهم الصحية مستقرة‪،‬عادا إىل غرة اإلنعاش املركز‪.‬كان الطبيبان يشكالن فريقا من بني عشرات الفرق‬ ‫الطبية املوزعة على خمتلف األجنحة ملتابعة حاالت املرضى ‪.‬األطباء واملمرضون ألزموا بالبقاء يف املستشفى ال يغادرون إىل بيوهتم ‪.‬‬ ‫يشتغلون ألزيد من مخسة عشرة ساعات يف اليوم‪ ،‬يتناولون وجباهتم الثالث يف املشتشفى‪ ،‬ويتسرحيون لساعات قليلة‪ ،‬ثم يلتحقون‬ ‫كجنود مبيدان جماهبة داء كرونا الذي قرر أن يصبح القوة األوىل على وجه األرض‪.‬‬

‫كان جوليان متزوجا‪ ،‬وأمندا أيضا‪ ،‬وال أحد منهما‪ ،‬مثلهما مثل باقي األطباء‪ ،‬عاد إىل بيته لرؤية أفراد أسرته منذ أزيد من أسبوع‪.‬‬ ‫جوليان كان لديه بنت وولد‪ ،‬أما أمانذا فقد أجنبت منذ سنة خلت ابنا من زواجها الثاني ‪.‬‬ ‫كان جوليان يشعر بتعب زميلته‪ ،‬واشتياقها البنها بول‪ .‬حني يأخذان قسطا من الراحة غالبا ما ال يتجاوز ربع ساعة‪ ،‬حيتسيان خالهلا‬ ‫كوبني من القهوة‪ ،‬حتى يظل الدماغ متقدا وقادرا على الصمود‪ ،‬ضد التعب والضغوط النفسية‪ .‬يبتسم يف وجه زميلته يهمس هلا على‬ ‫الدوام ‪:‬‬

‫‪courage‬‬‫متسح دمعتني تطالن من مقلتيها‪ ،‬تبتسم يف وجه زميلها‪ ،‬ودون أن ينبسا ببنت شفة يعودان إىل العمل‪ .‬ذات صباح وبينما كان جوليان‬ ‫وأمندا يراقبان درجة ضغط ميشيل‪ ،‬فتح هذا األخري عينيه و قال بصوت ال يكاد يسمع ‪:‬‬ ‫دكتور‪ ،‬أشعر بأن أجلي قد دنا‪ ،‬لدي رغبة أمتنى أن ال حترموني من حتقيقها قبل الوفاة‪.‬‬‫تدخلت أماندا قائلة‪:‬‬ ‫سيد ميشيل ال تيأس فرصة ختطيك هلذه احملنة كبرية و‪..‬‬‫قاطعها‪ ،‬وقد اختنق تنفسه وغلبته العربات ومل يعديقوى على الكالم ‪:‬‬ ‫أرجو ‪..‬ك دكتو ‪..‬رة‪ ،‬ال‪ ..‬فا‪..‬ئدة من أن ‪..‬تسمعيين‪ ..‬كالما ‪..‬أعرف‪ ..‬أن ‪..‬ال جدوى‪ ..‬منه ‪.‬‬‫قال جوليان ‪:‬‬ ‫طيب ماذا تريد ‪ ،‬ما هوطلبك ؟‬‫أريد أن تتصلوا بزوجيت ماري‪ ،‬وتطلبوا منها أن تأتي لرؤييت ‪ ،‬حتى أمتكن من رؤية ابنتاي قبل أن أموت ‪.‬‬‫ساد الصمت مل يعرف الدكتور جوليان كيف يرد‪ .‬نظر إىل زميلته كانت أشد حرية منه‪ .‬أخريا قال جوليان ‪:‬‬

‫سأستشري رؤسائي وأخربك بالرد ‪.‬‬‫ابتسم ميشيل الذي كان العرق يتصبب من جبيبنه‪ ،‬وهو يسعل سعاال قويا ‪ .‬وقال ‪:‬‬ ‫شكرا ‪..‬دكتور ‪..‬أعرف أنك ستفعل ما بوسعك‪.‬‬‫بعد أن شرح جوليان وأماندا للدكتور الرئيس املسؤول عن املستشفى‪ ،‬حالة ميشيل‪ ،‬وأكدوا له أن الرجل قد ميوت فعال يف أي حلظة‪.‬‬ ‫وافق على شرط ‪ ،‬أن يتخذ الطبيبان كل اإلجراءات الوقائية الستقبال الزوار‪ .‬أكرب جوليان وأماندا تفهم رئيسهما‪ .‬بعد أن اختذت‬ ‫اإلجراءات الوثائية الستقبال أسرة السيد ميشيل‪،‬اتصل جوليان مساء بالسيدة ماري‪ .‬رن اهلتاف مرتني ‪ ،‬ثم أجابت السيدة ماري ‪:‬‬ ‫ ألو ‪..‬‬‫ألو‪،‬مساء اخلري امسي الدكتور جوليان ‪ ،‬املشرف على حالة زوجك ‪ ،‬وهو يود أن يراك أنت وابنتيه غدا يف املستشفى‪.‬‬‫ساد الصمت هلنيهة قصرية ‪ ،‬ردت السيدة ماري ‪:‬‬ ‫معذرة ال نستطيع القدوم ‪.‬‬‫احتار الدكتور جوليان كيف يرد ‪ ،‬سأل ‪:‬‬ ‫ومل ‪..‬؟‬‫مسع صوت املرأة جيهش بالبكاء‪ .‬فجأة جاءه صوت احدى ابنتيها قائال حبدة‪:‬‬ ‫من أنت ومل أبكيت أمي ؟‬‫شرح الدكتور للفتاة دواعي اتصاله ‪،‬وأخربها أن والدها يف حالة حرجة ويريد رؤيتهم ‪ .‬صرخت قائلة ‪:‬‬ ‫‪-‬لن نزوره أبدا‪ ،‬ال نريد أن ينقل لنا العدوى فنموت بسببه‪.‬‬

‫وقبل أن يرد الدكتور كانت الفتاة قد أغلقت اهلاتف ‪.‬‬ ‫عزيز أمعي‬‫املغرب‬

‫‪Aziz Amay‬‬ ‫‪- 16_1‬‬‫سريالة مقربة‬‫كان قبل أن ميوت ‪ ،‬كلما مر مبقربة املدينة إال وتأسف على حال قبور أهلها الذين كانوا أحياء باألمس القريب وانتهى ما قسم هلم من‬ ‫أجل يف الدنيا‪ ،‬وصاروا إىل دار البقاء‪ .‬زار منذ صباه هذه املقربة يف عدة مناسبات ‪ .‬يذكر أول مرة زارها رفقة والدته للرتحم على‬ ‫جدها‪ ،‬ثم زارها حني رافق جده إىل مثواه األخري‪ .‬وبعد سنني أخرى عاد إليها يف جنازة العديد من أفراد العائلة‪ ،‬وأخر من أعاده إىل‬ ‫املقربة أمه‪ ،‬اليت ماتت بغتة والتحقت مبن سبقها من أفراد عائلتها ‪.‬‬ ‫يف خمتلف تلك الزيارات واليت غالبا ما كانت تتم يوم اجلمعة‪ ،‬كان جيد املقربة هبا العديد من النساء والرجال جاؤوا للرتحم على‬ ‫أحبتهم‪ .‬ما كان يثريه يف كل زيارة‪ ،‬ذلك التصميم السريايل للقبور‪ .‬منظر جبانة كأهنا خرجت للتو من حرب أهلية‪ ،‬كان يثري الشفقة‬ ‫واالمشئزاز يف نفس الوقت‪ .‬وكان أيضا ينم عن استهتار مبوت واألموات ‪.‬‬ ‫يف كل يوم حيمل سكان املدينة أهلهم وذويهم إىل املقربة‪ .‬مههم الوحيد أن جيدوا مكانا صاحلا حلفر قرب ليواروا فيه موتاهم‪ .‬حيفرونه‬ ‫بسرعة‪ ،‬ويأتون بامليت بسرعة ويدفن بسرعة‪ .‬تتلى على امليت آيات ويردد الفقيه دعوات بسرعة ‪ ،‬وينفض اجلمع مغادرين بسرعة‬ ‫كأهنم خيشون أن تطاهلم يد املوت‪ ،‬فتمنعهم من اخلروج من املقربة بسالم ‪.‬‬ ‫ال أحد يطرح السؤال حول تكدس القبور بشكل عشوائي يف املقربة‪ .‬ال أحد يهتم جبمالية اجلبانة وحق األموات يف موت حمرتم ‪ .‬نعم‬ ‫املوت مرحلة بعد احلياة‪ ،‬ممكن أن يكون استمرارية جلمالية احلياة ‪ ،‬لو أن احلياة كانت مجيلة‪ .‬لكن هيهات‪ ،‬فما املقام يف القبور بعد‬ ‫املوت يف دولنا اإلسالمية إال صورة أخرى لعشوائية اإلحياء اليت يتكدس فيها املواطنون كما اتفق‪.‬‬

‫كانت عدة أسئلة تطرح عليه نفسها بقوة ‪ ،‬أليس من حق اإلنسان أن ينام بعد موته يف قربه‪ ،‬دون أن يزامحه ميت أخر ‪ .‬وأن يكون له‬ ‫قرب واضح املعامل‪ ،‬ومقربة منظمة كتلك اليت شاهد مثلها يف أفالم كثرية لدى األوربيني واألمريكيني‪ .‬أليس من حق األحياء وهم يزورون‬ ‫أمواهتم‪ ،‬أن يطمئنوا ويرتاح باهلم بل وحتى يسعدوا وهم يرون مقربة مجيلة‪ ،‬بقبور مرتبة متنح مجالية للمقربة وتسر النفس‪ ،‬وختفف عن‬ ‫الزوار مصاب فقدان األحبة‪ .‬ال شيء من هذا يشغل اجملالس الرتابية والسلطات املعنية‪ .‬وحتى حني تتكدس املقربة وميتلئ جوفها‬ ‫باألموات‪ ،‬ويفكر أهل احلل والعقد يف اقتناء بقعة أرضية أخرى لدفن املوتى‪ ،‬ال يفكر املسئولون يف وضع تصميم مجيل هلا‪.‬هندسة‬ ‫تشرف األموات واألحياء على حد سواء ‪.‬‬ ‫لكن على الرغم من كل هذه االنتقادات‪ ،‬كان يتفهم عشوائية دفن املوتى ‪ ،‬وذلك املسخ العمراني للمقربة ‪ ،‬ويسخر من نفسه حني‬ ‫يفكر يف ضرورة العناية جبمالية املقربة‪ .‬إذ كيف ميكن له أن يفكر يف أصالح مقر سكن األموات الدائم‪ ،‬واملواطنون الذين ال زالوا‬ ‫على قيد احلياة‪ ،‬يعيشون يف مدينة هي بدورها مثال للفوضى يف جمال التشييد والبناء‪.‬‬ ‫ال ميكن أن جتد يف املدينة شارعا له مقومات الشوارع احلديثة‪ .‬وال ميكن أن تعثر على بنايات مرصوصة بشكل منتظم على هذه‬ ‫الشوارع الضيقة‪ ،‬اليت أصر جتارها‪ ،‬على االستيالء على أرصفتها مما يؤكد أن العيب ليس بالضرورة يف السلطات بل يف العقليات‬ ‫أيضا‪ .‬الكل يريد أن يسيطر على ما ليس من حقه‪ ،‬مادام منوذج التجاوزات هو السائد‪.‬‬ ‫لذلك حني جاء أجله مل يكن حزينا جدا على فراق حياة مل ينل منها إال ما يناله الطائر وهو يشرب من اليم‪ .‬رحل إىل دار البقاء على‬ ‫اثر أزمة قلبية‪ .‬انتهى إىل مسعه وهو ينتقل إىل العامل األخر البكاء والعويل‪ ،‬وبعد وقت قصري دخل عليه شخص جرده من ثيابه‪ ،‬وطفق‬ ‫يغسل بدنه من رأسه حتى أمخص قدميه‪ ،‬لفه بعدها يف ثوب أبيض ‪ ،‬خاط الثوب بإحكام‪ .‬ثم غادر الغرفة‪.‬‬ ‫محل على النعش ‪ ،‬شيعه عويل وبكاء أهله وأقاربه‪ .‬وما هي أال حلظات حتى حل باملقربة‪ .‬وضع النعش على شفا احلفرة اليت‬ ‫ستصبح مقر سكناه األبدي‪ ،‬إىل أن يناديه ربه ليوم احلشر‪ .‬مسع الفقهاء يقرؤون سورة يس‪ ،‬وبعدها‪ ،‬بدأ إمام املسجد يدعو له‪ ،‬ويسأل‬ ‫اهلل أن يتجاوز عن سيئاته‪ ،‬والكل يقول أمني ‪.‬‬

‫أنزل يف احلفرة‪ ،‬فانقطعت عنه كل األصوات ومل يعد يسمع ما يقال فوق الثرى‪ .‬نظر ميينا ومشاال‪ ،‬كانت قبور سابقيه حتف بقربه‬ ‫بشكل عشوائي ‪،‬كأهنا حراب فرسان تريد اهلجوم عليه‪ .‬أيقن أن وقت االحتجاج أو حتى القدرة على الرحيل مل يعد ممكنا وما عليه‬ ‫إال أن يتأقلم مع قربه‪ .‬طفق يدعو ربه بأن يكون يوم احلشر قريب ‪ ،‬ألن البقاء يف هكذا مقربة أمر غري حمتمل‪ ،‬والرجاء يف رمحة اهلل‬ ‫يوم احلساب هو أخر ما تبقى له من أمل ‪.‬‬ ‫عزيز أمعي‬‫املغرب‬

‫‪Aziz Amay‬‬ ‫‪- 17_1‬‬‫جرح(قصة شعرية)‬‫عضت يدي حني‬ ‫مددهتا ألزيل رمشا‬ ‫عن خدها الوردي البض‬ ‫فما تأملت يدي‬ ‫واستحلت من ثغرها الشهي العض‬ ‫ورأيت الدم نازفا من يدي‬ ‫فقلت هلا هنيئا لك‬ ‫بن يد أوتيت مثل هذا احلظ‬ ‫وكأن احلسناء‬ ‫ندمت عما فعلت‬ ‫فرنت إيل لنظرة‬ ‫حتمل الرقة والود‬

‫وكانت يف ما مضى‬ ‫تعاملين باجلفاء والبعد‬ ‫سألتين هل آملتك‬ ‫أجبت‬ ‫بل غمرني عنفك حبيبيت بالسعد‬ ‫لوال أن يدي األخرى‬ ‫انتاهبا اهلم من شدة احلسد‬ ‫ضحكت ضحكة‬ ‫كزغرودة رؤية‬ ‫الوليد يف املهد‬ ‫وقالت ملا ؟‬ ‫أجبت ألهنا‬ ‫متنت لو أهنا‬ ‫نالت مثل ما نالت‬ ‫أختها من جد‬ ‫فأمسكت كفي فقبلتها‬

‫وقبلت جرحي عن قصد‬ ‫فالتأم اجلرح من ريق‬ ‫أجنع من كل دواء‬ ‫وأحلى من الشهد‬ ‫عزيز أمعي‬‫املغرب‬

‫‪Aziz Amay‬‬ ‫‪- 18_1‬‬‫الصيف ضيعته (قصة شعرية)‬‫جاءها يف الصيف يطلب ودها‬ ‫فقالت رفضنا غريك وكان أحسن‬ ‫قال أيا جارة حق اجلار على جاره‬ ‫وأنا الكريم إن قبلتين سأكون املمت‬ ‫وأنا رجل خريي كما تعلمني كثري‬ ‫يل بقرات كثريات غزيرة اللب‬ ‫قالت لست أهوى املال والدواب‬ ‫ولن تكون أبدا يا جاري يل اخلدن‬ ‫وهيهات أن يلني لك الفؤاد فاحبث‬ ‫عن من هي أقل مين يف احلسن‬ ‫فعاد املسكني مكسور اخلاطر‬ ‫والقلب مليء باألسى والشجن‬

‫وجاء الربيع خيتال ضاحكا‬ ‫فابتهج الطفل والشاب واملسن‬ ‫فاشتاقت احلسناء إىل اللب لتبل‬ ‫ريقها ‪،‬وكانت يف بيتها دون لب‬ ‫فتذكرت جارها وبقراته‪ ،‬اليت قد‬ ‫فاضت أضرعها باحلليب دون من‬ ‫فذهبت إليه متأنقة تنشد حاجتها‬ ‫والغواني ألجل حاجتهن للغواية يتقن‬ ‫وقالت يا جاري الكريم عطشى أنا‬ ‫وعندك اللب‪ ،‬فضحك فبان منه كل سن‬ ‫وقال معذرة أنسيت حديثنا يف الصيف‬ ‫وكيف قبلت يل بقسوة ظهر اجملن‬ ‫ونسيت أنين جار لك عاشق ويريدك‬ ‫حالال له وبك من دون النساء افتت‬ ‫عودي من حيث أتيت وتذكري يا‬ ‫جارتي أنك الصيف ضيعت اللب‬

‫عزيز أمعي‬‫املغرب‬

‫‪Aziz Amay‬‬ ‫‪- 19_1‬‬‫قصة قصرية‬ ‫أغرب من اخليال‬ ‫عزيز أمعي‬‫ما سأرويه لكم أكيد أنكم لن تصدقوه ‪ ،‬وهذا ما جيعل اقدامي على سرد قصيت جمازفة ‪ ،‬بل مهمة جد صعبة ‪ .‬أتوقع أن ما سأجنيه‬ ‫بعد هذا السرد ‪ ،‬لن يكون سوى سخرية أغلبكم إن مل يكن كلكم‪ .‬فكرت كثريا قبل أن أقدم على هذه اخلطوة ‪ ،‬رمبا كان علي أن‬ ‫أحتفظ بسري لنفسي حتى أجنب نفسي مغبة اهتامي باهلبل ورمبا اجلنون ‪ .‬لكن مل أجنح يف يف كبح مجاح مقامسة ما عشته وأعيشه‬ ‫مع قرائي ‪ .‬اقتنعت أن احلكي أهون علي من أن أظل سجني سري الذي حتول إىل وحش شرس ينهش دواخلي ويتالعب بسالمة‬ ‫عقلي‪ .‬ال يهم كما قلت أن يعتربني الكل أمحقا ‪ ،‬لكن احلمق هو أن ال أزيح كلكل هذا السر اجلاثم على صدري كصخرة سيزيف‬ ‫اهلائلة ‪.‬‬ ‫ال تتأففوا من هذه املقدمة أنا بدوري ‪ ،‬أكره املقدمات ‪ ،‬ويف كل كتاب أقبل على قراءته ‪ ،‬خاصة الكتب املتجرمة ‪ .‬أقفز كبهلوان فوق‬ ‫املقدمة اليت أعتربها جمرد حماولة املرتجم ‪ ،‬أن يصدع رأسي مبجهوده اخلارق يف ترمجة عمل قلما كان جيدا ‪ ،‬وقلما شكرت مرتجم‬ ‫على ترمجته‪ .‬ألني كنت اعترب م الرتمجة خيانة ‪ ،‬ولو ال جهد املرتجم ‪ ،‬الستحق الشنق يف الغالب األعم ‪.‬‬ ‫املهم بدأت مشكليت حبلم ‪ .‬كل الناس حيلمون ‪ ،‬واملتعلمون يعتربون أحالمهم أضغاث أحالم ليس إال‪ .‬العامة ‪ ،‬يبحثون عن رابط بني‬ ‫حلمهم وبني حدث سيقع ولو قسرا‪ ،‬حتى جيعلون ملا يرون خالل نومهم مصداقية متنحهم التميز يف حميطهم ‪ .‬كنت من الفئة األوىل ‪،‬‬

‫شاب مثقف ‪ ،‬مهنيت حمامي ‪ ،‬وال ميكن لرجل قانون مثلي ال يؤمن إال بالدالئل والقرائن املادية اليت ال ميكن ضحضها‪،‬أن يرتك للخرافات‬ ‫والغيبيات أن تؤثر عليه أو أن تتالعب بعقله‪.‬‬ ‫أول حلم رأيته ومل أعره أدنى اهتمام ‪ ،‬متحور حول إحدى السيدات اليت وكلتين يف قضية طلب طالق الشقاق من زوجها ‪ .‬رأيت يف‬ ‫منامي أن زوجها سيقتلها يف احملمكة‪ .‬كانت السيدة يف عقدها الثاني أو ينيف مجيلة يف ريعان شباهبا الفاتن‪ .‬مل تكن قضيتها هي‬ ‫القضية الوحيدة اليت أشرف عليها يف قضايا الطالق‪ .‬ملفات الطالق كانت عديدة بل ال حصر هلا ‪ .‬املدونة مل تقلص من ظاهرة الطالق‬ ‫كما اعتقد املشرع‪ ،‬بل زادت من نسبة انفصال األزواج‪ ،‬وأصبحت احملكمة تعج بنساء ورجال ال هدف هلم سوى اهناء حياهتم‬ ‫الزوجية ‪ .‬بعضهم مل ميض على زواجهم سوى شهور قليلة‪.‬هذا الكم اهلائل من قضايا طالق‪،‬جعلين أقتنع أن اجملتمع سينقسم إىل‬ ‫ثالث أقسام ‪ :‬عزاب ‪ ،‬ومطلقون ‪ ،‬والذين مل يصلوا بعد إىل احملكمة وإن كانوا شبه مطلقني يتعايشون مرغمني يف بيوهتم ‪.‬‬ ‫أيقظين احللم من سباتي ‪ .‬للوهلة األوىل خلت نفسي يف احملكمة ‪،‬لوال أنين التفت فرأيت زوجيت الثانية ‪ ،‬اليت تزوجتها منذ سنة بعد‬ ‫انفصايل عن زوجيت األوىل واليت كانت زميليت يف الدراسة ويف مهنة احملاماة‪.‬اكتشفنا بعد مدة ليست بالطويلة أن البيت ال ميكن أن‬ ‫يضم زوجني هلما نفس املهنة ‪ .‬كانت زوجيت احلسناء تغط يف النوم ‪ .‬شعرت بسعادة ال توصف حني اكتشفت أن حلمي كان جمرد‬ ‫كابوس‪ ،‬رمبا فرضه ال شعوري الذي أصبح ارشيفا لقضايا الطالق‪.‬‬ ‫مل أشأ أن أخرب زوجيت مبا رأيت‪ .‬كنت على يقني أهنا ستبتسم ‪ ،‬وهي تكتم سخريتها من أحالم احملامني ‪ .‬غادرت البيت فورا إىل‬ ‫احملكمة ‪ .‬كانت لدي ثالث قضايا‪ .‬واحدة حول األرث‪ ،‬واثنتان حول الطالق‪ .‬حني دخلت إىل قاعة احملمكة رفقة زمالئي كانت‬ ‫احملكمة غاصة باحلاضرين‪ .‬ما أن أخذت مكاني يف الصفوف األمامية حتى صرخ العون ‪:‬‬ ‫حمكمة ‪.‬‬‫هنض كل من يف القاعة ‪ .‬دخل القاضي وكيل امللك وكاتب الضبط‪ .‬جلس وأشار لنا باجللوس‪ .‬افتتح اجللسة‪ ،‬ثم بدأ بأول ملفم من‬ ‫بني بامللفات املرتاكمة على ميينه كجبل صغري‪.‬عند ذكر رقم كل ملف ‪ ،‬ينهض األستاذ املكلف للوقوف إىل جانب موكله لالنابة عنه‪.‬‬ ‫حني جاء دوري ‪ ،‬بدأ القاضي معي بقضية اإلرث‪ .‬ثم جاء الدور على الشابة اليت تطالب بطالق الشقاق‪ .‬كانت هذه اجللسة هي‬

‫اجللسة الثانية ‪ ،‬ومل يتبق إال اجللسة الثالثة للحسم يف الطالق‪ .‬سأل القاضي السيدة اليت كانت تسمى زينب‪ ،‬إن كانت ال تزال مصرة‬ ‫على قرارها‪ .‬فأجابت باإلجياب‪ .‬وقبل أن يلتفت القاضي حنو زوجها‪ ،‬الذي كان واقفا يف اجلهة املقابلة ‪ .‬حتى رآه كل من كان يف‬ ‫القاعة ينقض على زوجته‪ ،‬وقد أشهر سكينا كبريا ثم طعنها طعنة جنالء ‪ ،‬صرخت على أثرها وهوت على األرض‪ .‬مال عليها الزوج‬ ‫اهلائج‪ ،‬وراح يطعنها أمام دهشة الكل ‪ .‬بقي احلاضرون حتت هول الصدمة يتابعون ما يقع كأهنم كانوا يشاهدون أحد أفالم األكشن يف‬ ‫قاعة سينمائية‪.‬‬ ‫فجأة عال الصراخ‪ ،‬وانقض رجال األمن على الزوج اجملرم ‪ .‬كان القاضاة قد هبوا واقفني وأعينهم جاحظة ‪ ،‬لكن وال واحد منه‬ ‫نبس ببنت شفة‪ .‬الشرطيان احلاضران يف اجللسة كانا قد متكنا من إلقاء القبض على اجملرم‪ .‬يف حني ظلت السيدة غارقة يف دمائها‬ ‫وقد فارقت احلياة ‪.‬‬ ‫مل يكن هذا احللم هو الذي حتقق ‪ ،‬هو احللم الوحيد يف سلسلة أحالمي املزعجة‪ .‬أحالم كثرية حتققت ‪ ،‬يكفي أن أذكر منها حلما ثانيا‬ ‫‪ ،‬حتى ال أطيل عليكم‪ .‬احللم ما قبل األخري الذي رأيت‪ ،‬هو أن أحد زمالئي القضاة والذي كانت زوجته حامال مبولودها األول‪،‬‬ ‫ستضع رضيعها ثم متوت ‪ .‬صدمين احللم حبق‪ ،‬وهنضت من منامي وأنا أرجتف‪ .‬كان اخلوف ينداح يف مسام روحي وجسدي‪،‬‬ ‫خشيت أن يتحقق هذا احللم فعال‪ ،‬خاصة وأن القاضي كان صديقا يل ‪ ،‬وكان ارتباطه بزوجته عن حب ‪ .‬توسلت بكل ما ختتزن‬ ‫ذاكرتي من أدعية أن ال اليتحقق حلمي ‪ .‬لكن مع األسف بعد ثالث شهور حان وقت املخاض‪ .‬ما أن وضعت زوجة القاضي‬ ‫مولودها حتى رحلت إىل دار البقاء‪.‬‬ ‫حلمي األخري‪ ،‬هذه املرة مل يكن يعين أحدا غريي ‪ .‬نعم قرر حلمي أن جيعلين موضوعا له‪.‬رأيت منذ أسبوع أنين سأسافر على مت‬ ‫طائرة إىل الديار الفرنسية ‪ .‬السفر حان أجله‪ ،‬وحتى ال أطيل ‪،‬أترك لكم فرصة استنتاج ما سيقع ‪.‬‬ ‫عزيز أمعي –املغرب‬

‫‪Belabar Hamid‬‬ ‫‪- 20_1‬‬‫حتية إجالل وتقديري ألعضاء أجراس الرواية والقصة القصرية على ما يقدمونه من أعمال سردية رائعة ونابغة ‪.‬‬

‫‪Hammani Ousmana‬‬ ‫‪- 21_1‬‬‫يف قرية بعيدة عن طرق الگرافيت‪،‬أشجار كثيفة تشبه تالحم األحبة بعد غياب طويل أو عندما يعلم الكل أن مثل هذا اللقاء بعيد أو‬ ‫شبه مستحيل‪.‬‬ ‫تتصف احلياة بالسذاجة قد يرافقها الالمعنى إن مل يكن هو مرادفها يف نص كتبه مفكر انتسب له حقد طفويل مل ينجح يف التخلص من‬ ‫هذا الدماغ الكي اجلاثم‪،‬لكن أليس هذا ومها يطوف يف ظل البشر؟‬ ‫نعم‪-‬لكن هذا التنوع يف اشكال الظل و مرافق العبور‪ ،‬هذا الرتكيب الذي يشبه السحر عندما أقرتب منه دون أحالم الفهم فإن أفعل‬‫العكس حتى ينفجر سرب احلمام و يتحول إيل شياطني مل ختن األهلة فقط‪.‬‬ ‫متادت يف حرق املعابد و اعتربت كل أوراق شعر املالئكة جمرد هراء يشبه تعاليم صويف مت حرقه أمام السماء و كانت أجواء عادية مل‬ ‫يتجمد فيها املاء‪،‬‬ ‫‪،‬لكنها سكنت و حبب غري مربر مسرحية العامل اجملهولة؛‬‫على أي ذلك الصدى الذي تتفن اجلبال يف ترديده يقول يل أن العودة إىل القصة اليت تشبه ظال من ظالل احلكمة كشيء من جواهر‬ ‫تتجاوز املادة‪،‬اللغة‪،‬األفق الذي يفشل احللم يف صياغته‪.‬‬

‫‪Hammani Ousmana‬‬ ‫‪- 22_1‬‬‫قصة عالقة يف حضور ذئب تسماني‬ ‫تلك النظرة اليت تشبه اجلسد املوشوم املنبعث من روح أغنية كالسيكية‪،‬تدعو كل البكاء إىل أن‪ :‬يغذو جمرد هراء يصدر من قبل‬ ‫احلياة عندما تفشل يف صعود الدرج و هي مثلة تتمنى طبق الضفادع يف العشاء‪.‬‬ ‫عادت و قالت‪:‬يا أجنحة الليل اليت تريد أن ترافق ظلي على جوانب الرصيف اجلميل من أجل اقتناء زجاجة و خنر دمها مع ضيفني‬ ‫لكن األمحر يف هذا املساء املتزوج بالصباح ليس للقلق مع أن الزمن يبكي فاقد الوعي عندما نذكر له البدايةيرد أنه ال يتسع له احلديث‬ ‫عن النهاية‪.‬‬ ‫لكن صديقته غريبة نوعا ما "حياة تطالب برخصة أن تسلك كل الدروب وال يقبل عليها مقدم نصائح‪ ،‬عند الرابعة تشتهي أن تنام يف‬ ‫املأذنة مع لقالق حيمل الرسائل إىل السموات و ال يهتم بالتفاصيل‪.‬‬ ‫لكن! عندما يهتم هبا يكون قد حفر يف عشه روحا تسكن كل فنان‪،‬متأمل ينطلق من اخلواء كي يفيد املرصود من املرمي هنا‪.‬‬ ‫محاني امسانة‪/‬املغرب‪.‬‬

‫‪Hammani Ousmana‬‬ ‫‪- 23_1‬‬‫تقيأ البحر هذا الصباح مخس جثث‪،‬لكنه احتفظ بالقارب على ما يبدو أهنم مهاجرون سريون‪.‬‬ ‫كان لون القمر يلمز للفراغ و أحاسيس مضطربة‪،‬حياة تذبح بشيفرة قدمية‪،‬إهنم شباب يف خريف حياهتم جعلو من الرمل لوحة من تاريخ‬ ‫البكاء‪،‬‬

‫‪Ibrahim Ali‬‬ ‫‪- 24_1‬‬‫القطة روز ورفيقها مسعود‪..‬‬ ‫القطة ( روز ) ورفيقها ( مسعود )‪..‬‬ ‫مبكرا قفز مسعود من اجلحر الذي يتقامسه هو ورفيقته ( روز) ‪..‬مضي سريعا اىل حافة البحرية ليلحق بعصفور غر صغري او ميامة‬ ‫ممن يسارعون مبكرين لريووا عطش ليلتهم الصيفية ليصطاده ويدلف عائدا لتقتات ( روز )ما طاب هلا من حلمه وعظامه وتتقوى‬ ‫ويسرى اللب باثداءها ليجد ابنيهما فيهم ما يطعمانه ‪..‬هذا واجبه يقوم به مدفوعا بفطرته التى حتبب أليه البذل والعطاء وتقديم‬ ‫أسرته على نفسه ‪ ..‬ومضى يتلصص بني اغصان األشجار ويتحني الفرص ‪..‬وكلما مرت ساعة دون صيد اعرتاه القلق فخلفه أسرة‬ ‫تتعلق حياهتا ورفاهيتها جبهده وتوفيقه ‪..‬‬ ‫فى اجلحر تثاءبت (روز ) واعتدلت جالسة فى مرقدها ‪..‬مدت يدها حتسست قطيطاهتا حبنان ثم الصقتهما ببطنها قريبا من‬ ‫أثدائها حيث يشع جسدها بالدفئ ويدق قلبها حبنان‪..‬‬ ‫مرت ساعات وما عاد ( مسعود) بالوجبة الصباحية وبدأت امعاؤها تتحرك جوعا ‪..‬وقد امتص ابنيها كل مايف اثدائها من حليب‬ ‫‪ ..‬أخريا‪..‬‬ ‫حنت ابنيها اىل قاع اجلحر وقفزت خارجا لرتتوي ولتبحث عما يقيم أودها واوالدها خوفا أن يكون شرا قد حلق برفيقها فتأخر أكثر‬ ‫من املعتاد‪ ..‬والجيب ان تتكاسل وتتقاعس وتسكن فى انتظار اجملهول ‪..‬ذلك هو الدرس األول الذي تعلمته من حياة التوحش‬ ‫‪..‬أال تعلق حياهتا على وفاء أحد وال على حتسن األحوال ؛ بل تسعى دوما لتكون فى مأمن من كل الظروف ‪..‬‬

‫قضت سحابة النهار بالغابة تتلصص وحتاول اإلصطياد لكنها مل توفق اال اال إلصابة عصفور صغري فى جناحه لكنه فر منها واختبئ‬ ‫خلف األغصان ‪..‬اخريا سعت عائدة منكسرة للجحر ليمتص اوالدها بقايا حليب أثدائها بدال من كثرة املواء جوعا طوال الليل آملة‬ ‫أن توفق فى غد‪..‬عند باب اجلحر شاهدت ( مسعود) يتقدم زاحفا متوكئا على زراعه املكسورة وقابضا باسنانه على جسد‬ ‫العصفور كسري اجلناح الذي فر منها ‪..‬تناولت جسد العصفور ورمقت رفيقها بنظرة حانية مشفقة وأسرعت لداخل اجلحر وفى‬ ‫أعماقها تتصاعد مهسة ‪ :‬الوقت للعتب والتساؤل ‪..‬قد جاء أخريا‪..‬متت‬ ‫ابراهيم على ‪ -‬القاهرة‬

‫‪Ibrahim Ali‬‬ ‫‪- 25_1‬‬‫عبد الرمحن ‪..‬‬ ‫اعتاد البامشهندس ( عبد الرمحن ) الدخول اىل احلديقة العامة التى تقع بالقرب من مبنى احملافظة الذى كثر تردده عليه منذ احالته‬ ‫للتقاعد ملتابعة اهناء حتصيل مستحقاته املالية عن خدمته التى قاربت ‪ 40‬سنة كموظف بوحدات االدارة احمللية‪ ..‬كان يوما واحدا‬ ‫ممن غرسوا اشجار تلك احلديقة العامة حني كان يتلقى تدريبا على تشجري شوارع املدن والتجمعات السكنية ‪..‬لذا فقد كان حيس‬ ‫بالزهو واالرتياح يغمر كيانه حني يرى انسان جيلس إلحدى أرآئك تلك احلديقة حمتميا بظالل احدى االشجار التى غرسها منذ زمن‬ ‫بيديه ‪..‬حني جلس ومد رجليه لألمام وأسند ظهره للخلف واغمض عينيه لريحيهما من عناء احلملقة طوال الساعة التى قطع فيها‬ ‫الطريق عرب الكوبري الذي يربط ضفيت النيل مستمتعا برؤية جذر النيل وشواطئه اخلالبة التى حفظها اهلل من العبث الذي انتشر هذه‬ ‫االيام ‪..‬تناهى ألذنيه صوت سيدة يهمس بكلمات حتمل كل معاني احلزن والعتاب ‪( ..‬ترى ملا تأخرت يا عبد الرمحن ‪)..‬‬ ‫‪..‬أرهف السمع ليتحقق من الكالم ‪..‬تكررت مهسات السيدة بنفس احلزن والعتاب الذي يغلف الكلمات ‪ ( ..‬تأخرت كثريا يا‬ ‫عبد الرمحن ‪..‬استدار لريى صاحبة الصوت ‪..‬سيدة ختطت اخلمسني من عمرها ‪..‬نقش الزمن على وجهها خطوطا تشي مبعاناة‬ ‫طويلة ‪..‬وحتت جفوهنا ظالل قامتة كأهنا ارض مل تروى من زمن بعيد ففقدت ملعة النشاط وبوادر اخلصب وصارت قاحلة أقرب‬ ‫للصحراء ‪..‬تصاعدت فى اعماقه اسئلة متتابعة ‪..‬من تلك املرأة ‪..‬؟ ومن هو عبد الرمحن الذي تنتظره وتناجيه عاتبة ‪..‬؟؟‬ ‫وملاذا تشخص ببصرها فى السماء وال تنظر للطريق مستطلعة من تنتظره ‪..‬؟ أكيد ليس هو عبد الرمحن الذي تنتظرة‪..‬فمن يكون‬ ‫‪..‬أخرجه صوت مازح األحزية من تسؤالته التى جعلته حيملق فى وجه املرأة التى تفرتش كرتونة قدمية على مسطح أخضر خلف‬ ‫األريكة التى جيلس عليها وحيدا وقد مدت رجليها لألمام ومحلت يسراهم على ميناهم مبا يشي بطول مقامها‪..‬مهس ماسح األحزية‬ ‫متسائال ‪ :‬أحتب أن أمح حزائك يا سعادة االستاذ ‪..‬وجدها فرصة ليسأله عن املرأة فوضع قدمه على علبة الرجل اخلشبية ومد‬

‫يده جبيبه باحثا عن قطعة او قطعتني من العمالت املعدنية ليدفعهما كأجر للرجل الذي اهنمك سريعا فى تلميع احلذاء ‪..‬اخرج النقود‬ ‫ودفع هبا لكف الرجل الذي اسرع مبدها ليلتقط اجرته ‪..‬ثم سأله ‪ :‬هل تأتي تلك املرأة كثريا اىل احلديقة‪..‬؟؟ هز املاسح رأسه‬ ‫مؤمنا وهو يقول من سنني تأتي وجتلس هكذا ‪..‬والتنصرف اال اذا أمطرت السماء ‪..‬نتابع‬

‫‪Ibrahim Ali‬‬ ‫‪- 26_1‬‬‫عبد الرمحن‪) 2 ( ..‬‬ ‫مل يكن ليستطيع فكاكا من رغبته وشغفه العظيم باستيضاح حقيقة وجيعة ( أم عبده ) تلك املرأة التى تعيش فى ذهول عن دنيا‬ ‫الناس وال حتمل فى جوفها وعقلها اال مها واحدا هو التساؤل عن سبب تأخر ولدها الذي هو كل أهلها ومثرة عمرها ‪..‬لذا سعى‬ ‫حثيثا ملعرفة مكان اقامتها الذي تقصده بعد ان خيرجها حراس احلديقة كل مساء ‪..‬سأل احلراس ومل حيظ باجابة شافية ‪..‬انتظر‬ ‫قدومها للحديقة كما تفعل كل يوم ‪..‬جاءت حتمل لفافة ورقية هبا ما جاد به عليها بعض احملسنني من اصحاب املطاعم ‪..‬افرتشت‬ ‫الورقة وتناولت لقيمات ‪..‬وبقيت تتمتم عقب ابتالع اللقمة بعبارهتا األثرية ‪ :‬تأخرت كثريا يا ولدي ‪..‬أين ذهبت يا عبد الرمحن‬ ‫‪..‬متى تأتي يا ولدي ‪..‬بقي يراقبها ‪..‬يتتبع عينيها الذاهلتني حيثما تنظران ‪..‬الشئ ‪..‬الجديد ‪..‬اقرتب منها ‪..‬مهس قائال ‪:‬‬ ‫كيف حالك يا ام عبده ‪ ..‬أمعنت النظر فى وجهه كثريا قبل أن جتيبه ‪ :‬اليهم حايل ‪..‬حاله هو األهم ‪ ..‬أال تعرفه ‪..‬انه ولدي‬ ‫‪..‬حصاد عمري ‪..‬الناجح املتفوق ‪..‬أدرك أنه لن حيصل منها على جواب شاف لتساؤالته ‪..‬بينما يهم باإلنصراف ملح ماسح‬ ‫األحذية يقبل مهروال فجلس على مقعد احلديقة ‪..‬اقرتب الرجل متسائال ‪ :‬اترغب أن امسح حذاؤك يا سيدي ‪..‬؟‬ ‫أجابه بامسا ‪ :‬بل أرغب أن حتكي يل كل ما تعرفه عن تلك املرأة العجوز ‪..‬ومد يده بورقة عملة ذات العشرة جنيهات ‪ ..‬التقط‬ ‫املاسح اجلنيهات وتتابعت على وجهه عالمات اخلوف واإلرتباك وأخذ يتلفت مينة ويسارا ‪..‬ثم مال على أذنه وأسر بكلمات كانت‬ ‫مبثابت طعنات فى قلب املهندس ( عبد الرمحن ) ‪..‬ولدها كان طالبا جامعيا قتل فى التظاهرات ودفنوه فى مقابر الصدقة ‪..‬وهي‬ ‫ال تصدق ذلك ‪..‬غاب منذ تلك اللحظة عقلها وتأتي كل يوم تنتظر عودته ‪..‬فقد كانت تنتظره دوما هاهنا ليصطحبها بعد انتهاء‬

‫احملاضرات لبيتهما فى احلارة القريبة ‪..‬اهنى كلماته وهو يتلفت مذعورا ثم هرول مبتعدا كأنه خيشى ان يتعقبه أحد ويتهمه بارتكاب‬ ‫أفعال جمرمة ‪..‬‬ ‫نظر املهندس ( عبد الرمحن ) مليا فى وجه املرأة ‪..‬وأهنمر فى نوبة من البكاء والنشيج اهتزت هلا أركان جسده ‪..‬فقد أدرك للتو‬ ‫عجزه عن فعل شئ خيفف عن( أم عبده ) ‪..‬قام جيرجر أقدامه ويلتقط دمعاته السخينة ومضى عائدا لبيته كسري القلب ‪..‬بينما‬ ‫تتناهى ملسامعه نداءت املراة ( تأخرت كثريا يا ولدي ‪ ..‬ملا مل تأتى يا عبد الرمحن ‪..‬متت‬

‫‪Ibrahim Ali‬‬ ‫‪- 27_1‬‬‫الغصن الذي أسقطته العاصفة‪ ( ..‬ج ‪)1‬‬ ‫عاش عمره منكبا على دراسته‪..‬كان طريق اإلستقامة أوفق الطرق وأقلها كلفة مادية فحبب أليه ملناسبته لظروف عوزه وفقره التى‬ ‫المتكنه من جماراة األثرياء من رفاقه ‪..‬ثم هو الطريق الذي يرى فى هنايته أمال حيث أكد له كل الناصحني من معارفه وأساتذته أن‬ ‫اإلستقامة جتلب رضا الرب ؛ ومن يرض عنه ربه يساعده ويرزقه بركة فى القليل وسدادا وتيسري ‪..‬وهكذا شاء اهلل له اإلنصراف‬ ‫عن مسالك الغواية والعشق والغرام وارتكاب احملرمات وتوفر له وقتا للعبادات والطاعات وحفظ من كتاب اهلل الكثري من األجزاء قبل‬ ‫ان ينهي دراسته الثانوية ويلج أبواب اجلامعة ‪ ..‬ودفع به جمموعه املتوسط لكلية احلقوق ؛ وفى تلك الكلية يسر له ما حفظ من القرآن‬ ‫وما طالع فى كتب الفقه الكثري من املواد الدراسية وبلغت به مواظبته على احملاضرات وتنبهه ملا يلقيه األساتذة من شروح وما يبدعون‬ ‫من مناقشات بلغ ذلك به رتبة عالية ولفت أليه أنظار بعض األساتذة فتبناه أحدهم وقدم له كل عون ورعاية فحصل على تقدير‬ ‫اإلمتياز ‪..‬وبعد التخرج التحق مبكتب استاذه للمحاماة فقد فشل فى اإللتحاق بوظيفة املعيد ‪..‬لكنه آثر استكمال دراساته العليا‬ ‫من خارج العمل اجلامعي ‪..‬وفى مكتب احملاماة ألتقى ب ( أمال) تلك الشقراء اجلميلة التى تعمل كمديرة ملكتب األستاذ والتى أبدت‬ ‫اهتماما ملحوظا به انتهى اىل عالقة ود وزواج ‪..‬كانت من عائلة فقرية كعائلته وال متلك من الغنى اال فى مجاهلا كأنثى ‪ ..‬تزوجا‬ ‫سريعا وباقل اإلمكانات متاشيا مع ظروفهما وقد كان لتشجيع استاذه هلما ومساعداته املالية الفضل األعظم فى سرعة امتام‬ ‫الزواج‪..‬ولكن تعالت حول قارب اسرهتما الولبدة موجات من املشكالت كان قصور دخله املادي هو اعظم اسباهبا فكان تدخل‬ ‫اسرهتا ضروريا وتتالت على أذنيها نصائح والدهتا وارشاداهتا التى أججت خالفاهتما وعظمت من املشكالت ‪..‬لكن كان من‬ ‫الصعب على كالمها النكوص حنو القطيعة واإلفرتاق ألسباب كثرية ليس من بينها الود واإلحرتام ‪ ..‬صرب كثريا على تكاسلها املتعمد‬ ‫عن أداء واجباهتا املنزلية استجابة لنصائح والدهتا كي يعرف قيمتها ويقر بفضلها ‪..‬عاجل األمور حبكمة دون شكوى أو تربم ‪..‬غسل‬

‫مالبسه بنفسه بدال من تريضه املعتاد الذي ميارسه جريا ومشيا لساعة يوميا ليعادل جبهده البدني اجلهد الذهين الذي يبذله يوميا‬ ‫صباحا فى احملاكم ألداء عمله ومساءا ببيته جالسا ملكتبه لكتابة مذكرات تلزم لقضايا املكتب أو مطالعة باملراجع‪..‬يتبع‬

‫‪Ibrahim Ali‬‬ ‫‪- 28_1‬‬‫الغصن الذي أسقطته العاصفة‪ ( ..‬ج ‪:)2‬‬ ‫واحدة من خالفاهتم الكثرية كان ما ينفقه على شراء كتبا فى القانون ‪..‬حاول كثريا أن يقنعها بأمهيتها لبناء عقليته القانونية التى هى‬ ‫أداته للرقي فى مهنته توطئة حللمه األكرب بافتتاح مكتبه للمحاماة مستقال عن مكتب استاذه ؛ لكنها دوما كانت تسوق االدلة واحلجج‬ ‫بأمهية مظهرها كمديرة ملكتب االستاذ ىلذي يؤمه كبار األثرياء من أصحاب القضايا واللذين يتأثرون بفخامة املكتب ومظاهر الثراء‬ ‫التى تبدو على العاملني به ‪..‬وبناء عليه فواجبه ان ينفق على مظهرهابدال من الكتب‪..‬كان كثريا ما يسكت على مضض خوفا من‬ ‫تصاعد عواصف غضبه فتنكسر أغصان شجرة أسرته الغضة التى مل تثبت بعد ‪..‬‬ ‫‪....‬‬ ‫حني أنتبه استاذه حلالة احلزن البادية على وجهه وسأله عما به تردد كثريا أن يفضي أليه بصورة عيشته املزرية غري أن احلاح أستاذه‬ ‫أفلت عقدة لسانه بل وأسال دموعه ‪..‬راح حيكي ويصف باكيا ‪..‬تأثر استاذه وأحتضنه قائال ‪ :‬أعذرني فقد انشغلت عنك‬ ‫هبمومي ‪..‬نظر متعجبا مندهشا فى وجه استاذه ‪..‬وسؤال يرتدد فى أعماقه ‪ :‬أي مهوم تلك ومنصبك وأموالك الطائلة وجاهك‬ ‫ومسعتك متأل اآلفاق والقنوات تتنافس على استضافتك وعلية القوم زبائن مكتبك ‪..‬؟ وكأمنا قرأ األستاذ ما يدور ب أعماقه‬ ‫واستنتجه بفطنته من مالمح الدهشة التى اكتسى هبا وجهه فطلب أليه اجللوس معا ليفضفض معه فهو يعتربه ولده الذي مل ينجبه‬ ‫‪..‬وداس على اجلرس وطلب فنجانني من القهوة والغاء كل املقابالت الليلة ‪..‬‬ ‫حكى األستاذ عن مهه األكرب الذي يفوق مهوم املناكفات الوظيفية والصراعات اخلفية بينه وبني زمالءه على عمادة الكلية ‪..‬فهذه مهوم‬ ‫بسيطة التقاس اىل ما تلح عليه أبنته ااوحيدة صباحا ومساء من رغبتها فى اإلنفصال عن زوجها والطالق منه ‪..‬وهو يعرف من هو‬

‫زوج أبنته ‪..‬انه أحد سفراء البالد باخلارج وقد صعد لذلك املنصب الرفيع بسبب قرابته لوزير خارجيتنا السابق ‪..‬لقد كانت أكرب‬ ‫آماله أن تتوج مصاهرته تلك باحفاد يسعدونه فى شيخوخته ‪..‬لكن أبنته عادت بعد عامني فقط لتنفصل جسديا عن زوجها ألسباب‬ ‫يصعب رفضها أو مناقشتها فيها أو طلب غض الطرف عنها ‪..‬فزوجها يعيش حالة تغرب فكري كامال جتعله يتخذ من الزواج شكال‬ ‫ساترا حلياة اإلنفالت األخالقي باقامة عالقات متعددة التبقي لزوجته بعدها أي حق من حقوقها كزوجة ‪..‬وقد حاولت اصالحه‬ ‫وواجهته حبرمة ذلك فصدمها بأفصاحه عن عدم ممانعته أن سلكت نفس سلوكه فأحلت على العودة وعادت وتلح على‬ ‫الطالق‪..‬يتبع‪..‬‬

‫‪Ibrahim Ali‬‬ ‫‪- 29_1‬‬‫الغصن الذي أسقطته العاصفة‪:)3 ( ..‬‬ ‫حني خرج من املكتب يلال ليعود ملنزله دار فى خميلته سيناريو عجيب‪..‬أوحى أليه به حديث فضفضة أستاذه هبمومه ‪..‬كان‬ ‫يستيقظ منه كل بضعة دقائق على صوت نفري سيارة تقرتب أو ضؤ مبهر يغزو عينه فيتوقف للحظات يستطلع الطريق ثم يواصل‬ ‫املسري‪..‬كان يلهب خياله ما يشبه احللم حيث يلتقي ( أمنية) أبنة أستاذه فى املكتب بعد طالقها وقد حضرت لتسأل عن والدها‬ ‫الذي تأخر عن موعد حضوره إلجتماع طارئ بالكلية ‪..‬فيستقبلها هو مرحبا ويعجب جبماهلا الفاتن الذي اليعكره اال مسحة من‬ ‫حزن تطوف بوجهها من حني حلني ‪..‬يدعوها لتتناول فنجان من القهوة مبكتب والدها حلني قدومه ‪ ..‬يتأملها ويتبادالن التعارف‬ ‫‪..‬يلمح شبح ابتسامة فى وجهها ‪..‬تتوثق معرفته هبا نتيجة استدعاء والدها له ليلقاه فى فيلته ليتشاورا فى بعض القضايا ‪..‬يتقدم‬ ‫طالبا يدها ‪ ..‬وحني يسأله أستاذه عن زوجته ‪..‬يهمس فى أسى‪..‬طلقتها ‪..‬أفاق من حلمه وتصوراته وهو يطرق جرس الباب‬ ‫لتفتح له زوجته الباب فقد أكتشف أنه نسي نسخته من املفاتيح فلم حيملها معه كما اعتاد عند خروجه ‪..‬انتظر طويال ‪..‬وأخذ‬ ‫ينقر باصابعه على الباب ظنا منه ان جرس الباب معطال‪..‬حاول النظر من ثقب الباب ‪..‬ملح وريقة معلقة فى طرف زجاج الباب‬ ‫‪..‬التقطها وقرهبا ليطالع ما فيها ‪:‬‬ ‫انا عند أمي ‪..‬لن أعود اليك ‪..‬طلقين ‪..‬كانت تلك الرسالة آخر ما تفتق عنه ذهن محاته للكيد له والوقيعة بينه وبني زوجته‬ ‫‪..‬دس الورقة جبيبه وعاد مسرعا للمكتب ليقضي فيه ليلته وليتدبر اجراءات الطالق التى أحس أهنا هدية األقدار ليتخلص من فرع‬ ‫شجرته الذي قصفته العواصف ليكون بعدها جاهزا ليحقق أمنيته باألرتباط بابنة أستاذه لعل األقدار تصلح هبذا األرتباط طريقه‬ ‫وطريقها‪ ..‬متت‬

‫‪Kaltoum Ait Azoubair‬‬ ‫‪- 30_1‬‬‫نداء الطفولة املغتصبة‬ ‫بني طفل ابتلعه البئر قضاء وقدر ‪،‬وبني طفل آخر اختطفته أياد جمرمة تساوم به أهله بالفدية‪ ....‬يوجد هناك طفل جائع يف‬ ‫اليمن‪..‬وآخر سوري مشرد يف خميمات التيه‪..‬وطفل آخر يتمته آله احلرب الظاملة يف فلسطني وبورما ‪..‬وأطفال يعانون يف جنوب‬ ‫أفريقيا من احلروب األهلية والعنصرية والتجنيد العسكري‪.....‬وآخرون يتعرضون كل يوم لالغتصاب والقهر و العنصرية واجلوع‬ ‫والتشرد والضياع‪ ..‬وأطفال من ذوي االحتياجات اخلاصة يعانون من اإلمهال والتنمر ‪..‬‬ ‫‪...‬وكثييري من األمل‪.‬‬ ‫حادثة ريان سلطت الضوء على اإلمهال املهول الذي ميارسه العامل على األطفال ‪ ...‬وقد حان الوقت لنتحد مجيعا كي نقوم بتعديل‬ ‫بوصلة االهتمام حنو خدمة الطفولة‪...‬بدل التوجه باإلعالم املسؤول واحلر حنو تشجيع التفاهات ‪ .‬اليت أظهرت حادثة ريان أن قيمة‬ ‫املعنى أصيلة يف قلوب اإلنسانية‪ .‬فكفانا هتميش و تقصريا يف حقوق الطفل يف العامل العربي خصوصا‪.‬‬ ‫بقلم كلثوم أيت ازوبري‬

‫‪Khaled Hamidi‬‬ ‫‪- 31_1‬‬‫نأي‬ ‫هزّت الرّيح خيمتهم ‪ ..‬تشبّث كبار القوم بالرّكيزة املهرتئة ‪..‬تداعت عيدان ثقاب مستهلكة لسمكها‪..‬انسحب من بينهم بعيدا‬ ‫يلتحف السّماء‪.‬‬ ‫املختار محيدي خالد‪ -‬اجلزائر‬

‫‪Maizi Fatima‬‬ ‫‪- 32_1‬‬‫هدهد سبأ‬ ‫کل الربوع تعكسين امرأة بأجنحة کل اخللیقة أو أقل جاحنة بکل ذنوب النساء‪ ،‬فرتی تلعثم احلرب علی ورقي الشفاف الذي یحملين‬ ‫وینتفض تریاقا لعفراء براءتي ‪ ،‬واألسود الذي یکتسح العامل بظالم لیال خارج أزيز تاریخ مکبل بغي الوهم ‪ ،‬األسود الذي الیلیق بي یا‬ ‫أحالم‪ ،‬کیف غطیت به ولیمة روایة شهوة کاملة وأنت ناصعة الکالم کثقوب الشمس يف حضننا حنن الٕمکلومتین جبرأة أقالمنا?‬ ‫من أخرجين من منطق االنتفاضة لتتغیر مالحمي وأکون بازدواجیة التکوین مغرقة يف ألوان ریشة تبعثين برأسین وقلبین ورجل أسفل‬ ‫لساني یلحم قیلولة احلروف لیستمر دفٶھا يف تفاصیلنا ‪ ،‬وباحة مقصلة مقفرة متلي كاَبة النساء وفضاعة أرحامهن مند أن سقطت‬ ‫امرة بدون صرة علی کوکب ستقتحمه بشهقة لذة وفناء ردة وکل مردود یقتفي أثر زلتنا کهدهد سبأ ‪.‬‬ ‫ ترتشف قلیال من التأمل‪ ،‬مصحوبا بقهوة عربیة بعد أن تسرب سکرها جلوف قلبها حببیبات أبت أن متوت يف الزالل القامت ‪ ،‬ویصدح‬‫صوت مذیاع حتافظ علی قلبه وکأهنا به تعید احلیاة ألمها اليت ورثته عن جیل من احملبة ‪،‬جیل اخلمسینات ‪،‬کروي وقد رمست علیه‬ ‫کافة الدول وکأنه یمزق کل التأشیرات الغبیة اليت حتیل احلریة حلفنة تراب ناشز من الوداع‪ ،‬ویرتفع موال بیع به کل أسود مغبون ‪.‬‬ ‫قل للملیحة يف اخلمار األسود ‪ .....‬ماذا فعلت بناسک متعبد‪ ،‬ویعید الشاعر األموي ربیعة ابن عامر الدرامي أو مسکین الدرامي‬ ‫نفس اللقمة ألفواهنا ذات الشفاه املکتنزة ‪.‬‬ ‫ويف حتد للشاعر والقدر‪ ،‬تعید التحدیق هلذه اللوحة اليت أفرشها الزوج احلبیب علی جدار غرفة النوم لیذکرها بأهنا جمرد إناء مصقول‬ ‫بلحظة ضعفه‪ ،‬یغرف منه نکهات نشوته کلما رغب يف إطفاء هلیبه ورغب يف ارتداء جسدھا بإرادهتا أو دوهنا و يف غفلة من بعض‬ ‫قراراهتا‪ ،‬واحلقیقة غیر ذلک کما تراها ‪،‬فکل أطیاف النساء املکبالت بسلسة توهم حبقیقة معکوسة ‪ ،‬ما هن يف واقع األمر إال امرأة‬

‫واحدة أجنبته ضعیفا مکفوفا وأسدلت ثدییها علیه‪ ،‬و یهزھما لتتساقط علیه نصاعة الطهر بیاضا زالال ‪،‬فیکتفي منه ویکرب تکبیرة‬ ‫احلب وهو حتت جناحیها ثم یتسلل من بین أصابعها غیر ذاته ودون عهده‪.‬‬ ‫تقف وتقرتب أكثر للوحة ‪ ،‬متعن التلصص‪ ،‬وجهها مقابل لوجهها وشيء کاملاء یتصبب من یمین اللوحة‪ ،‬فتتذکر إحدی القراءات‬ ‫خبصوص اللوحة املصلوبة کاملسیح اليت تفسر الفعل أنه تاریخ ألِّه وسحب األلوهیة لفاٸدة الذکورة‪ ،‬فقزم لذة أسطورة املرأة يف‬ ‫سریالیة تٶمن فقط بنقصان اللون املفضل يف عیوم لوحة ال تری يف واضحة النهار‪.‬‬ ‫فاطمة املعیزي‬ ‫م ‪/‬ف‬

Mohamed Hali - 33_1Marketplace

‫‪Mohamed Hali‬‬ ‫‪- 34_1‬‬‫حب يف املخترب‬ ‫حممد هايل‬ ‫يف ليلة ضوضاء بالبحث العلمي داخل ورشة استاذمها ملادة الفيزياء‪ ،‬كان يتابع حتركاهتا الشغوفة باألسئلة احملرية ‪ ،‬حول طبيعة املادة‪،‬‬ ‫و حركاهتا و سرعتها‪ ،‬و ما بني القياس و االنشطار‪ ،‬كان يرمقها بشغف احلب الذي سقط فجأة‪ ،‬و أصبح حيرك مضجعه‪ ،‬مل يتحدث‬ ‫كثريا ذلك اليوم‪ ،‬ظل تائها يف أعماقه‪ ،‬و متمنياته‪ ،‬هي مل تكن غريبة عنه‪ ،‬يعرفها منذ اعتلى كراسي اجلامعة‪ ،‬يعرفها أهنا بنت عائلة‬ ‫عريقة يف البذخ‪ ،‬عائلة من طبقة اجتماعية ختتلف عن طبقته‪ ،‬هو يدرك أنه يعيش وضعا ما بني العوز تارة‪ ،‬و الكفاف تارة أخرى‪،‬‬ ‫هلذا كان يراها كحمامة يصعب الظفر هبا‪ ،‬مل يضعها يف حساباته اخلاصة من قبل‪ ،‬لكن يف هذا املخترب تبدل كل شيء‪ ،‬تغلغلت كماء‬ ‫دافئ ا ىل أعماقه‪ ،‬أحس خبفقان قلبه يتزايد حني تفسر الذرة‪ ،‬و حني تصوروا الطاقة اليت حترك املادة‪ ،‬و وضعوا حسابات السرعة‬ ‫املمكنة‪ ،‬أصبح يشعر بأن طاقته الداخلية خارج احلساب‪ ،‬مل يعد يدري كم رقم اتفقوا عليه مع استاذ الفيزياء‪ ،‬كل ما أصبح يدريه أن‬ ‫هذه الفتاة طاقتها زائدة على املعتاد‪ ،‬إنه ارتعاش ‪ ،‬و خفقان؟‪ ،‬و نظرات تنتابه خارج السيطرة‪ ،‬فاصبح يتصورها تشبه نسرا بني‬ ‫يديه‪ ،‬طائرا بريشه ينظر اليه‪ ،‬و هي تنط بني أنامله هادئة خاضعة‪ ،‬يتحكم فيها مبقاصه‪ ،‬يقبض عليها قبضة اجلشع الوهلان‪ ،‬ال جيب أن‬ ‫تنفلت هذه املرة‪ ،‬ال جيب عليها أن تفكر يف النجاة‪ ،‬هي مادته اجلديدة‪ ،‬فقط جيب حساب سرعتها‪ ،‬و شكل جاذبيتها ‪ ،‬و طرق‬ ‫الظفر هبا‪ ،‬هذا النسر النهم بالبحث عن عوامل أخرى خارج املخترب‪ ،‬جيب أن يتحول اىل محامة وديعة بني يديه‪ ،‬كان يساجل نفسه بدافع‬ ‫احلب‪ ،‬أما هي فكانت تسأل بدافع املعرفة‪ ،‬مل تنتبه ألسئلته و ختيالته‪ ،‬إىل أن فاجأهم األستاذ بانتهاء احلصة‪ ،‬تاركا العاشق معلقا بني‬ ‫اسئلته‪ ،‬هل هي ستكون نسرا بني يديه‪ ،‬أم محامة هادئة‪ ،‬بنفس العاطفة و بنفس الوجدان الذي يتمناه‪.‬‬

‫حممد هايل‬

‫‪Mohamed Hali‬‬ ‫‪- 35_1‬‬‫القحط‪.‬‬ ‫حممد هايل‬ ‫توجه اىل السوق لبيع قطيع أغنامه و الذي يتكون من ست نعاج و خروف‪ ،‬بعد احلاح من زوحته‪ ،‬هو الذي نط يف إحدى القنوات‬ ‫الصحافية وصرح بإن حيواناته هذه أعز لديه من أبنائه مل يسمع له أحدا من املسؤولني بل ظل رنينه يرتدد على مسامع املتفرجني العابثني‬ ‫باملتعة‪ ،‬دون اعتبار ألي صوت او أي صورة مرت من هناك و انتهى أمره‪ ،‬أما هو يف ظروف النسيان هذه قرر أن يفعل فعلته هذه أن‬ ‫يتخلى عن كائناته اليت ألفها و ألفت الزريبة أن حتتضنهم دائما‪ ،‬فأصواهتم حيدث طربا يف اخليمة كلها‪ ،‬ال ميكن تصور خيمة بدون ثغاء‪،‬‬ ‫قرر بالفعل أن يدلف السوق هبذه املغامرة الشنعاء‪ ،‬فطوم زوجته بكت من كثرة األمل و هي ترى أغنامها تتكبل قوائمها فوق عربة مهرتئة‬ ‫جترهم اىل أمكنه بعيدة رمبا اىل قرى أفضل من قريتهم هذه لعلهم يضفرون بنوع من العيش‪ ،‬أما هو و زوجته املكلومة مل يبق هلما ما‬ ‫يقدمونه من كأل و شعري مادام هناك قحط شديد جيفف كل شيء حتى الغذاء اليومي مل جيدوا له ما يكفي من النقود لتغطية حوائجه‪،‬‬ ‫فطوم بكت بعدما بدت هلا العربة ختتفي يف تربية قافرة من النبات محراء اللون اال شجرة العرعار تبدو صامدة أمام أشعة الشمس اليت‬ ‫مل تنقطع هذا العام‪ ،‬اختفت وراءها العربة تاركة خطوطا يف الطريق بواسطة عجالت العربة و قوائم احلمار األسود املتعب هو اآلخر من‬ ‫العوز الشديد الذي أصاب كل شيء‪ ،‬غاب زوجها وقتا طويال سرعان مابدت العربة عائدة خملفة وراءها ظل الشجرة املائل على‬ ‫الطريق و غبار األتربة املتطايرة تزينها أشعة الشمس وسط النهار‪ ،‬و هي متيل مينة و يسارا و هي تقرتب من اخليمة‪ ،‬وقفت متشمرة يف‬ ‫مكاهنا حتت ظل حائط احلجرة املوالية للطريق‪ ،‬يا للمفاجأة شاهدت أغنامها قد عادت بكاملها اال اخلروف قد اختفى من مكانه‪ ،‬مل‬ ‫تعرف كيف جتاري زوجها املتعب من أعباء الطريق ظلت صامتة شاردة يف مهومها اال أن فاجأها زوجها باقرتاحاته اجلديدة و اليت‬

‫فكر فيها أثناء أعباء الطريق اليت جتففها حرارة الشمس املنبعثة طيلة اليوم‪ :‬امسعي‪ ،‬لقد بعت اخلروف بأقل من مثنه أما النعاج فهي مل‬ ‫تأت بأي مثن يناسب تعبنا و كدنا الذي قمنا به طيلة هذا الوقت و حنن نقوم برعايتها‪ ،‬لقد أحضرت بعض الكيلوغرامات من اللوبياء و‬ ‫العدس‪ ،‬و مادمنا مل نستطع توفري الطعام هلذه اخلراف‪ ،‬سأذخبهم مجيعا‪ ،‬و سنجعل من حلمهم قديدا و عليك أن تقطعيهم تقطيعا‬ ‫يناسب ذلك و قد أحضرت لك أكياسا كثرية من امللح‪ ،‬انت تعرفني كيفية القيام بذلك‪ ،‬عليك فقط أن تضعي احلبال بني الكرمتني‬ ‫ابعديهم كثريا عن كلبنا و القطط‪ ،‬و سنحاول أن نساير هذا القحط بضمان على األقل قوتنا اليومي اىل أن تتبدل األحوال من السيء‬ ‫اىل األحسن يف الشهور القادمة‪ ،‬أما إذا حتولت اىل األسوأ فهذا أمر حيتاج اىل يقظة شعب‪ ،‬و يقظة دولة لكي ال تتجه األمور اىل ما ال‬ ‫حيمد عقباها‪.‬‬ ‫وضعت يديها على رأسها‪ ،‬أومأت له أهنا موافقة‪ ،‬و هنضت جتر أحزاهنا و اجتهت للعربة تساعد زوجها يف إزالة احلبال من قوائم‬ ‫النعاج اليت أضناها العطش الشديد‪.‬‬ ‫حممد هايل‬

‫‪Mohamed Hali‬‬ ‫‪- 36_1‬‬‫مرحلة ال مناص منها‬ ‫حممد هايل‬ ‫مل تكن ابتسام تفكر يف السفر لوحدها‪ ،‬لكن تطور االحداث و تغريها وفق تطور األزمنة فرضت عليها أن تعتمد على نفسها‪ ،‬عليها أن‬ ‫تتآخى مع حقيبة السفر‪ ،‬جترها أو حتملها ال يهم‪ ،‬فقط عليها أن جتدد معامل الذات لتتالءم مع الذات اجلديدة‪،‬‬ ‫ابتسام بعدما ظلت طيلة مسارها الدراسي تعتمد على عائلتها يف كل شيء‪ ،‬أصبحت اآلن هتاجر خارج مدينتها‪ ،‬بعدما أخذت‬ ‫شهادة الباكالوريا استقلت كطالبة يف غربتها اجلديدة‪ ،‬يف حجرة داخل شقة مع زميالت جدد ال تربطها معهن سوى ضرورة التعاون من‬ ‫أجل مواصلة التحصيل اجلامعي لتحقق أحالما كثرية كانت ترتاءى هلا منذ أن أدركت يف سن ما‪ ،‬أهنا ستصبح شيئا ما‪ ،‬ضمن تلك‬ ‫األمنيات اليت تتقاطر عليها‪ ،‬كلما وجلت حجرات الدراسة‪ ،‬ها هي اآلن جتر حقيبة ثقيلة تدحرجها بعجالت متباطئة‪ ،‬عليها أن‬ ‫تستعني بقدرات عضالهتا‪ ،‬و التواء قدميها‪ ،‬و متايل جسدها مينة و يسرة‪ ،‬لتجتاز سكتا احلديد الالمتناهية‪ ،‬لتصل اىل احملطة‪ ،‬املكان‬ ‫فارغ‪ ،‬و والدها ظل خارج أسوار املكان‪ ،‬بعد أن منعه احلارس من الدخول‪ ،‬هي تدرك أن احلياة جتارب و قوة يف اختيار األمنيات‪ ،‬و‬ ‫عليها أن تسري ضمن هذا التعب اجلديد‪ ،‬أن تؤدي كل الواجبات من حوالة يرسلها هلا والدها مبقدام ال يتصور‪ ،‬بعدما متلصت الدولة‬ ‫من كل مسؤولياهتا يف مساعدهتا يف مصاريف الدراسة الباهض‪ ،‬متيقنة أن املنحة اليت كانت مل تعد ممكنة بعد تغري األحوال من املمكن‬ ‫اىل املستحيل‪ :‬مثن تذكرة قطار أصبحت حتتسب ضمن تذاكر أخرى ال حتصى و ال تعد‪ ،‬اآلن تفكر يف الوصول اىل احملطة‪ ،‬و متتطي‬ ‫العربة و تفتح هاتفها احملمول و يف ذماغها حسابات كثرية‪ :‬صاحب التاكسي سيأخذ كذا‪ ،‬و البقال سيأخذ كذا‪ ،‬و صاحب الشقة‬ ‫سيأخذ كذا‪ ،‬و والدي سيقدم كذا‪ ..‬اىل أن تصل اىل الوجهة املعلومة‪ .‬ابتسام ال تفكر اآلن يف شيء سوى أن تبتسم هلا احلياة‪ ،‬و‬

‫هي تدرك جيدا أمام تلك االبتسامات طالسم مثرية‪ ،‬أمام هول البطالة املتنامي باستمرار‪ ،‬لكن عليها أن تبتسم ‪ ،‬أن تغرد مع السرب‪،‬‬ ‫و تسري مصاحبة حلقيبة جتمع كل مقتنياهتا‪ ،‬هي مرحلة البد منها‪ ،‬عليها أن تتعود على قطع هذه السكة احلديدية املتالشية االطراف‬ ‫مرارا و تكرارا‪ ،‬عليها أن تتمايل مع كل أثقاهلا ‪ ،‬مادامت أهنا تعيش اآلن مرحلة ال مناص منها‪.‬‬ ‫حممد هايل‬

‫‪Mohamed Sellak‬‬ ‫‪- 37_1‬‬‫خطأ يف احلساب‬ ‫مترن يف السهر فأصبح مواضبا حيضر األمسيات و يبالغ يف التبذير على الفنانني و املرافقات من النساء‪ ،‬يتصدق عليهن مبا جناه من‬ ‫أرباح مشبوهة‪.‬‬ ‫ليلة اكرتى لنفسه قاعة أفراح و أحضر خرية عازيف الكمان و برفقته ثالثة رجال و ثالث فتيات‪.‬‬ ‫حضر مجهور قليل و اغلقت األبواب فانطلقت الة الكمان تشق طريقها حنو األحلان لتفوز بالقلوب‪.‬‬ ‫توقف العزف ‪ ،‬فانكشف الساحر و أصدرت مواال أسقط ثلة و أحزن اآلخرين‪ ،‬كان صوهتا ناعما يتسرب كالدفىء حنو اجلسد‬ ‫البارد وسط الثلوج‪.‬‬ ‫أخرج حمفظته و أنعم عليهم مبال وفري جعلت الفنانة‬ ‫توقف أنفاسها ‪ ،‬و تبدأ يف ترديد األغنية‪ ،‬حتركت األجساد يف رقص مجاعي و اعتلى صوت احلناجر يف انتظام و هم يرددون األغنية‪.‬‬ ‫رفع يده فتوقف العزف و أشار إىل الناذل‪ ،‬خبدمة مجيع الزبائن على حد سواء‪ ،‬أراد أن جيعل لنفسه‬ ‫مكانة رمبا افتقدها يف الشارع و جعلت بعضا ممن يعرفونه يلومونه و جيعلوه سببا خلراب اجلمعية‪.‬‬ ‫اتضح األمر بعد سنوات من اجملون و املعاقرة‪.‬‬ ‫انكشف أمره و وشى به البعض‪ ،‬بعد ورود أخبار عن‬

‫فساد يف حساب اجلمعية‪.‬‬ ‫فصل عن عمله و جرد من التأشرية و جرد من ماله‪.‬‬ ‫عاد إىل الوراء و اخترب النصب و االحتيال لكن سرعان ما انكشف أمره‪ ،‬دخل السياسة من باب احلاجة فأصبح يساعد املمثلني يف‬ ‫شراء الذمم بل وصل به احلال إىل تزوير الوثائق‪.‬‬ ‫أصبح مدانا بعد تكاثر الشكاوي ليكتشف حاله و يقاد إىل السجون واملعتقالت‪ ،‬علها تكون سببا يف عودته للصواب‪.‬‬ ‫حممد سالك إسبانيا‬

‫‪Mohamed Sellak‬‬ ‫‪- 38_1‬‬‫عناد و فرار‬ ‫عاد هبا ملنزهلا و حبث عن ماله فلم جيده‪ ،‬حاول عبثا أن يسكتها بورقة نقذية بسيطة إال أهنا أصرت على حقها و طالبت باملبلغ‬ ‫كامال‪ ،‬أسكت حمرك السيارة و نزل ليبحث عن مكان املال فلم يتذكره كانت اخلمرة قد لعبت يهما و جعلتهما يتشاجران زمنا‪ ،‬ساعتها‬ ‫لفت حول عنقه وشاحا كانت تغطي به رأسها و ارتفعت صيحاهتا وسط احلي كي جتعله يدفع‪ ،‬و كأن لصا‬ ‫دخل أو قاتال هرب حتى هذا الوقت ال يزال منشغال مبكان وضعه املال‪،‬رمبا تركه هناك حيث كانا يتسامران يف عمق الطبيعة و جبوار‬ ‫النهر ‪ ،‬دفعها عنه و أغلق فمها بيده إال أن صيحاهتا كانت مدوية أفاقت اجلريان و مسعت األبواب تفتح‪ ،‬لتعلن قرب اهلجوم‪،‬‬ ‫و رمبا قد حيملون هراوات يف أيديهم و يكسرون زجاج السيارة بل و يعطلون تشغيلها بإخراج اهلواء من العجالت بآلة حادة يستعملها‬ ‫البناؤون لنزع اخلشب‪ ،‬هم متحمسون و يبحثون عن أي ذريعة إلطفاء جام غضبهم‪ ،‬فحتى السلطات ناذرا ما تويل هلذه األمور اعتبارا‬ ‫الهنا من احملرمات‪ ،‬و الطابو‪،‬‬ ‫جيعلون من السيارة خردة يف حلظات و قد ال يستطيع املالك أن يشتكي إىل الشرطة ألنه سيالقي السجن و الغرامة و رمبا يسجن لثالثة‬ ‫أشهر ‪ ،‬متلكه الرعب و اخلوف أحيانا‪ ،‬فدفعها عنه بكلتا يديه و أسرع حنو السيارة‪ ،‬سقطت غري بعيد فوق كومة رمل ‪،‬استعادت‬ ‫توازهنا بسرعة و هنضت لكنه كان قد سبقها ‪،‬أدار املفاتيح و دوى احملرك متجاوبا ليعلن جناته و فراره قبل أن تلحق به احلشود‬ ‫فتجعل منه هدفا مستباحا و جسدا سهال للضرب و توجيه اللكمات‪.‬‬ ‫حممد سالك إسبانيا‬

‫‪Mohamed Sellak‬‬ ‫‪- 39_1‬‬‫زيارة األقارب‬ ‫يسكن بعيدا عن عمته يف مدينة تعج مبختلف األجناس‪ ،‬و يلتقي فيها املاضي باحلاضر‪.‬‬ ‫يف قلب املدينة تقطن عمته و قد اختذ من منزهلا حمجا يزوره مرارا رمبا يف تلقي بعض العالوة فهو ال يزال طالبا و بالكاد تكفيه تلك‬ ‫املنحة اهلزيلة لشراء اخلبز‪ .‬يتفبل ما تتصدق به العمة و ال جيد حرجا‪.‬‬ ‫عادت من بالد املهجر حديثا و تعيش وحيدة رفقة خادمة يف سن العشرين ‪ ،‬أمضى ليلته األوىل هناك‬ ‫فاغرمت به‪ ،‬يف الصباح استيقظت عمته و رافقها إىل‬ ‫احملطة الطرقية لتسافر يومني حنو العاصمة دون‬ ‫اخلادمة‪ ،‬تفطن إىل اهلدف و تناول فطوره الصباحي ثم اقال السيارة حتى بلغا احملطة‪ ،‬فتشت حقيبتها ثم ناولته بعض املال وودعته‬ ‫ليذهب حلال سبيله‪ .‬و كما خطط له عاد على وجه السرعة و استقبلته اخلادمة بالعناق أعدت له طعاما شهيا و ابقته معه‬ ‫يومني متتاليني دون أن يدوس أرض اجلامعة نسي‬ ‫الدراسة و عاش الرفاهية يف غياب قريبته‪ ،‬مل يتوقف عن االستحمام باملاء الساخن قبل أن يعود‬ ‫لبيته رفقة رهطني من أصدقاءه الطلبة‪.‬‬ ‫ليال استلقى على سرير فاخر‪ ،‬و أخذ يعيد بعض قصص احلب لرفيقته اليت انبهرت حلسن تعابريه‬

‫و مجال أخالقه‪ ،‬متنت لو بقي معها أبدا‪.‬لكن قصر‬ ‫الزيارة لن يفوت دون أن يعود ثانية و ثالثة‪.‬‬ ‫حممد سالك إسبانيا‬

‫‪Mohamed Sellak‬‬ ‫‪- 40_1‬‬‫لعنة البلغارية‬ ‫كانت رئيسة قسم عمله‪ ،‬تراقبه باستمرار منت بينهما صداقة منذ كانت عاملة مثله‪ ،‬لكن الظروف تغريت اآلن‪ ،‬مل تعد تلك البلغارية‬ ‫احملتقرة بل أصبحت عنصرا أساسيا يف الشركة بعد تقلدها للوظيفة ‪ ،‬ال يفوهتا شيء هلا عيين النسر ما أن ترتكب خطأ حتى جتدها‬ ‫أمامك كاجلنية كثرية احلركة ‪.‬‬ ‫دخلت جناحه يوما بالصدفة فلم يعجبها عمله وخبته أمام املأل فأحس باالحتقار و أراد اإلنتقام ‪ ،‬تغري بسرعة و تناسى احلقد ‪،‬منذ‬ ‫أن بدأت متازحه و تسأله عن رخصة السياقة و األسرة ‪ ،‬شك يف أمرها فسأهلا‬ ‫ملاذا حتدقني يف وجهي كلما رأيتين ؟‬ ‫اجابته بسرعة ألنين أحبك ‪،‬و مغرمة بك‪.‬‬ ‫هي تتكلم هكذا مع مجيع العمال على هذا املنوال‪.‬‬ ‫منذ ذلك الوقت و هو يبالغ يف مدحها إىل حد انه أصدر هلا قبالت جمانية من بعيد عرب اهلواء و األثري‪.‬‬ ‫يومها شتمته أمام العمال اإلسبان و املغاربة على حد سواء ‪ ،‬غضب كثريا و تلعثم بكلمات إسبانية فيها رداءة ‪،‬كل ما فهمته هو‬ ‫الكف عن الكالم‪ ،‬سكتت أخريا لكنها قصدت زميله عادل و أوصته إخباره ‪ ،‬بأن يكف عن مغازلتها أمام املأل‪ ،‬فهي اآلن جدة و‬ ‫هلا حفيدة و رمبا مقبلة على الزواج لذا على املنبوذ أن يبتعد عن طريقها‪ ،‬قبل أن تصل األخبار إىل خطيبها اإلجنليزي فيرتاجع عن‬ ‫زواجه‪،‬‬

‫أخربته أيضا أن هذا مبثابة آخر إنذار‪.‬‬ ‫تداول أخباره كل العمال و العامالت فخشي أن يصل النبأ لزوجته مريم فيكون مصريه املبيت يف العراء‪.‬‬ ‫أنذر زمالءه بوقف نشر اخلرب و أنشأ بعض العداوة‬ ‫غضب من بعض رفاقه الذين استهزؤوا به يف غيابه بل اشاعوا خربه بني ساكنة البلدة‪.‬‬ ‫يف املساء غادر العمل فأصيب بالدوران‪ ،‬زارته محى غريبة‪ ،‬دخل احلمام ‪ ،‬فاشتعلت النريان يف املطبخ ‪ ،‬فأسرع اجلريان لنجدته‪ ،‬و‬ ‫طرقوا بابه مرات‪ ،‬ليخرج شبه عاري‪ ،‬و السواد يكاد يعمي عينيه‪ ،‬تذكر تلك الرومانية احلقرية و لعنها يف نفسه‪ ،‬أطفأ احلريق أخريا و‬ ‫عانقه الناس بعد أن علموا أنه عاد للحياة بأعجوبة‪ ،‬يف املقابل تعرض للخساءر‪ ،‬أحرقت بعض‬ ‫اآلالت الثالجة‪ ،‬غسالة املالبس و أشياء أخرى‪ ،‬احصى اخلسارة لقد جتاوزت جمموع ما وفره يف سنة كاملة و رمبا أكثر‪.‬‬ ‫قصد املستودع لشراء احلاجيات‪ ،‬فأصيب بغيبوبة رمبا كان شبه ناءم‪ ،‬ارتطم وجهه بالباب الزجاجي دون أن يراه إذ كان شفافا‬ ‫فكسرت أنفه و أصيب جبرح يف حاجبه األمين‪ ،‬تذكر عدوته فلعنها جهرا و صب كل جام غضبه عليها‪ ،‬تغيب عن العمل شهرا كامال‬ ‫فعاد و شرارات الغضب تتطاير من عينيه كلما رآها أو حتى االقرتاب منه‪ ،‬أهنى حديثه معها إىل األبد‪.‬‬ ‫يف نفس األسبوع ذهب حلضور إمتحان السياقة فاخفق و عاد و قلبه يتقطع حسرة و أملا يف كل ما‬ ‫أصابه‪ ،‬دون أن يعرف للحل سبيال‪.‬‬ ‫حممد سالك إسبانيا‬

Get in touch

Social

© Copyright 2013 - 2024 MYDOKUMENT.COM - All rights reserved.