WAHAJ NOVEL 25-1 FROM 28-11-2022 TO 28-12-2022 Flipbook PDF

WAHAJ NOVEL 25-1 FROM 28-11-2022 TO 28-12-2022

65 downloads 104 Views 650KB Size

Recommend Stories


A-PDF Merger DEMO : Purchase from to remove the watermark
A-PDF Merger DEMO : Purchase from www.A-PDF.com to remove the watermark PDF compression, OCR, web-optimization with CVISION's PdfCompressor ehp |

el_10.htm Euroleague (From to )
Euroleague 2009-10 h p://www.linguasport.com/baloncesto/internacional/clubes/EL/EL_10.htm Euroleague 2009-10 (From 29-09-2009 to 9-05-2010) COMPETI

4N. From Monday to Friday
ITINERARY B : 5D/4N From Monday to Friday Itinerary B: 5D/4N Monday to Friday Sample of a day by day itinerary with the description of the visits a

Story Transcript

‫وهج الرواية و القصة القصرية‬

‫"قصص مشرتكة"‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ث‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫وعة ادس و ا ن– د مبر ‪2022‬‬

‫قائمة المشاركين في المجموعة القصصية‬ Abdellah Sadiqi Abdo Daoud Ahmed Ninia Alfateh Meeka Ayman Fawzy Mahmoud Emad Abozed Fadwa El Mesbahi Georges Laflouf Hafida Elkhamlichi

‫‪Abdellah Sadiqi‬‬ ‫‪- 1_1‬‬‫عبداهلل صادقي‬ ‫تتمة قصة موسم جين الفرولة‬ ‫عادت و زوجها إلسبانيا تاركة قلبها وابنتها يف املغرب ومل يهدأ هلا بال من حينها بل اصاهبا االرق وفارقتها االبتسامة‬ ‫الستحالة استعادت ابنتها كما خالت قالت ابدا أبوها لن يرضى ان ابنته ميكن ان تعيش يف اسبانيا فقط الغاضتها ورغم مرور‬ ‫تالثة شهور على عودهتا من املغرب مل يتغري شئ بداخلها فلقد سكنها احلزن واالسى ورأقه املقام فما استقام هلا حال حتى‬ ‫ذات يوم فجأة اتصل اخوها وذلك منذ ان فارقها رافضا زواجها باإلسباني و قال هلا باحلرف جيب ان ترفعي قضية و تاكدي‬ ‫من خالهلا ان طليقك ال يزور ابنته و يلزمك شهود و ساتكلف بكل شئ فقط ارسلي يل توكيل و فعال كان مسؤول وتكلف‬ ‫باالمر كما وعد وبعد جلسات ماراطونية حصلت على شهادة تتبت ان االب غري مكرتت مبصري ابنته وال بشؤوهنا و بالتايل‬ ‫تسقط عنه احلضانة ‪ ،‬وارتسمت بذلك على وجهها اول ابتسامة منذ عودهتا السبانيا حتى اهنا صدرت منها زغرودة حينها‬ ‫هبا كسرت صمت البيت والقرية فضحك الزوج واجلد واجلدة و اخريا حتقق احللم قالت ‪.‬‬ ‫حلقت البنت بامها بعد مدة فسجلتها بسرعة باملدرسة يف انتظار حصوهلا هلا على اوراق االقامة ويف ثلك االثناء شعرت‬ ‫بتغريات يف جسدها فقد الحظت بوادر احلمل فانشرحت وقالت ربي كريم ضاعف فرحيت سريزقين مبن يؤنس وحشت ابنيت‬ ‫ويزيد من هبجة البيت ‪.‬‬ ‫اجنبت طفلة مستها مريم وكانت خري مؤنس جلميلة ولو أهنا تكربها خبمس سنوات ‪.‬‬ ‫مرت االيام و السنني و كربت البنتني فاصبحت مجيلة يف االعدادي وبدات تالحظ ان لقبها خمتلف عن لقب اختها فتسائلت يف‬ ‫نفسها عن السبب رمبا هي مسألة ترمجة من العربية لالسبانية قالت لكن ما اقتنعت لتبادر بسؤال امها اليت راوغتها واقنعتها اهنا‬ ‫مسألة ترمجة فقط واألمل يعتصر قلبها إىل أن علمت ذات مرة ان زوجها السابق تزوج و عنده ولد فاقشعر بذهنا وصرخت يا‬

‫إهلي ماذا لو ان ابنيت كربت و التقت باخيها فالدنيا صغرية وقد تتكون بينهما عالقة ولن أعرف إىل أي مدى قد تصل فاضطرت‬ ‫ان تتصل باختها وشرحت هلا املسألة وطلبت منها ان توصلها بزوجة طليقها اليت هي ايضا استشعرت هول القضية ‪.‬‬ ‫صارحت حسناء ابنتها بالقصة كاملة واعطتها رقم هاتف ابيها لكن مجيلة مل حترك ساكنا بقيت مصدومة مل تستوعب فعال‬ ‫ما تقوله امها اممكن ان يكون يوسف ليس بابيها فهي مل تعرف ابدا سواه وهل حتى اجلد واجلدة مها ايضا كذبة ال متت هلم بصلة‬ ‫وهم من ابدا مل يتوانوا يف تدليلها حتى أكثر من مريم ويقولون هلا انت اكرب منها تستحقني االثن ودوما يصطحابنها معهم يف نزهاهتم‬ ‫الطويلة ‪.‬‬ ‫بعد صمت طويل اخذت مجيلة ذات ليلة اهلاتف وطلبت اباها وأجاب من املتكلم فلم جتبه اال دموعها وبعد حشرجة‬ ‫استطاعت أن تكون مجلة وله قالت ملاذا ال اعرفك وملاذا ابدا مل تسال عين ومل يرد فقط اجابتها دموعه وانقطع اخلط‪.‬‬ ‫قالت حسناء اهنا اكملت حياهتا بتقة وسط بيتها كانت فيه امللكة مشمولة حبب زوجها ابدا ما اساء معاملتها او قلل من قذرها‬ ‫فنسيت طليقها واندجمت يف جمتمعها اجلديد متشوقة دوما لزيارة املغرب متذوقة حالوة جنسيتها املزدوجة فاالسبان يف قريتها‬ ‫احبوها كثريا حتى لقبوها حببة الفرولة ‪.‬‬ ‫توقفت حسناء عن الكالم املباح كما لو أهنا شهرزاد أمام شهريار لكنه مل يكن سوى معد برنامج بقلب مفتوح الذي بادرها بآخر‬ ‫سؤال كما قال وكانت الساعة تشري حينها ملنتصف الليل هل رأت مجيلة اباها مرة أخرى وتأخر الرد وعم الصمت ثم اخريا له‬ ‫قالت فقط عنذ زواجها‪.‬‬

‫‪Abdellah Sadiqi‬‬ ‫‪- 2_1‬‬‫عبداهلل صادقي‬ ‫املغرب‬ ‫موسم قطف الفراولة ‪.‬‬ ‫اقرتبت العطلة من هنايتها وحسناء رغم كل الذكاء مل جتد حل لقد أرهقها التفكري و توبيخ الظمري فكيف هلا ان تعود‬ ‫إلسبانيا و ترتك وحيدهتا باكية و سكنها القلق و اصاهبا االرق فاصبحت دوما شاردة الذهن ‪.‬‬ ‫قررت يف االخري اشراك زوجها يف ما يشغل باهلا فركزت يف عينيه لتقرأ اجلواب قبل أن يتكلم و قالت أنا مرهقة تعبت من شدة‬ ‫التفكري و اريد اخد ابنيت معي السبانيا ‪ ،‬و اردفت هو املشكل ان أباها لن يسمح هلا و لن يوافق على ان معي اصطحبها و‬ ‫اطرقت ‪ ،‬فسارع و ضمها اليه برفق مبتسما وقال انا معك يف كل ماتقررين ‪.‬‬ ‫دهبت يف اليوم التايل عند طليقها و االمل يعتصرها و قالت له ان ابنته مريضة و تلزمها عملية جراحية خارج املغرب ‪ ،‬كانت‬ ‫تريد اقناعه باي وسيلة ليسمح ان ترافقها ابنتها يف رحلتها ‪ ،‬قال هلا الطليق هبذه العبارة اجلوفاء الرخيصة ‪:‬‬ ‫ليس عندي بنت أنت وشانك ‪.‬‬ ‫رجعت بائسة يائسة عند زوجها جتر خيبتها ‪ ،‬لقد تذوقت مع طليقها عصارة كل كؤوس املرارة لكنها مل تستسلم بل زادها‬ ‫موقفه إصرارا ‪.‬‬ ‫تقريبا مل تنم تلك الليلة لقد تضاربت االفكار يف راسها حتى كاد ان ينفجر و خطرت هلا يف النهفكرة جنونية وابتسمت ‪.‬‬

‫يف الصباح دون تودد وال تردد باغتت زوجها بفكرهتا مركزة على عينيه واسرتسلت ما توقفت وقالت اننا سنعطي للبنت‬ ‫منوم ثم نضعها يف حقيبة كبرية لنمر املائة مرت الفاصلة بني السيارة والباخرة ‪ ،‬صمت الزوج طويال ثم قال هلا لك ما تريدين‬ ‫وعالمة االندهاش بادية عليه ‪.‬‬ ‫عقدوا عزمهم جهزوا انفسهم وغادروا بيت االم ودموع متحجرة يف مقلتيها ‪.‬‬ ‫وصلت األسرة للجمارك و من بني مخس سيارات سبقتهم تعرضت سيارهتم وحدها للتفتيش فالكلب املدرب تسمر‬ ‫عندها وبدأ بالنباح ليكتشف اجلمركي الفتاة نائمة كسلعة مكورة ليحملها برفق و مت اعتقال األبوين على الفور بعد أن مت‬ ‫اسعاف الصبية لتستفيق و رفض االستماع ألي توسالت او تربيرات من االم ليتم حتويل‪.‬املعتقلني للنيابة العامة بتهمة االجتار يف‬ ‫البشر ‪،‬‬ ‫امام الوكيل اعرتفت حسناء و قالت هي ابنيت أنا امرأة مطلقة ‪ ،‬هاجرت إلسبانيا الحسن من وضعييت املادية وتركت ابنيت‬ ‫باملغرب مع امي ‪.‬‬ ‫بإسبانيا تعرفت على زوجي احلايل هو الشخص املاتل امامكم االن ‪ ،‬حصلت على اجلنسية اإلسبانية و استلمت ورقة االقامة و‬ ‫كونت أسرة هناك لكن رغم فرحيت يزوجي وعائلته دوما بعد ابنيت عين املين لقد نغص علي حياتي فأنا ال اقدر ان أعيش‬ ‫دوهنا ‪.‬‬ ‫قال هلا املدعي ‪:‬‬ ‫أنت ال ختجلني سيدتي اال تتخيلني حجم اجلرم الذي اقرتفتيه ‪ ،‬انك سيدتي متهمة باختطاف صبية ومتريرها لبلد أجنيب دون‬ ‫اذن ابيها و دون جواز سفر و سنحتجزك االن فأنت رهن االعتقال ‪.‬‬ ‫بكت وبكت ابنتها وقالت الصبية باحلرف ‪:‬‬ ‫ال حترموني من ماما ‪،‬‬

‫مل تتوقف االم واألبنة عن البكاء ‪ ،‬تبادل اجمللس النظرات و بعد مشاورات مطولة بني أعضاء احملكمة قرروا انه يتوجب‬ ‫على املتهمني اداء غرامة مالية كبرية و حجز سيارهتم ‪.‬‬ ‫ليس لدى الزوجني ما يكفي من املال فاجرت حسناء اتصال هاتفي وحيد حيث اتصلت بأب زوجها و قالت انه قد‬ ‫حصلت هلم حادثة اثتاء طريق العودة وأهنم خبري لكن السيارة حتتاج الصالحات متعددة فورية فحسناء مل ترد ان تزعجة‬ ‫بتفاصيل الواقعة فقط طلبت منه املال و هو مل يرتدد ‪.‬‬ ‫يف هناية اليوم أدوا الكفالة و خرجوا من احملكمة و غري بعيد جلسوا يف حديقة ‪ ،‬تنهدت حسناء و اطرقت طويال مغمظة‬ ‫العينني ث م رفعت رأسها و نظرت يف عيين زوجها مباشرة وقالت له اهنا مصممة فهي لن تعود إلسبانيا دون ابنتها لن تقدر لن‬ ‫تستطيع وغاصت يف حالة هستريية من البكاء ليضمها و بشبه مهس قال هلا اتودين تدمري ما بنيناه فأنا احبك و احب‬ ‫ابنتك لكن يلزمنا وقت للتفكري ‪ ،‬كانت كلماته هادئة خففت قليال من روعها ‪.‬‬ ‫يتبع ‪.‬‬

‫‪Abdellah Sadiqi‬‬ ‫‪- 3_1‬‬‫عبداهلل صادقي‬ ‫املغرب‬ ‫تثمة قصة‬ ‫موسم قطف الفراولة‬ ‫عاد الغريب بعد نصف ساعة يف سيارة أثارت انتباهها بلوهنا وخطوطها الرياضية وتوقف جبانبها ‪ ،‬لقد غري لباسه ‪ ،‬أنيق ووسيم‬ ‫وترجل مسرعا وفتح باب السيارة ودعاها باشارة للصعود ‪ ،‬بدون تردد ركبت ‪ ،‬ليس لديها خيار ‪.‬‬ ‫قاد يف صمت ‪ ،‬شغل موسيقى وبدأ يغين بلغة ال تعرفها‪ ،‬ارتاحت قليال واطمأنت ‪ ،‬أنه يبدو شخص متزن بأخالق‪ ،‬تذكرت‬ ‫اآلن الطريق ‪ ،‬لقد شارفت على الوصول ‪ ،‬تكلم هي مل تفهم فأشار بيده لصدره قال أنطونيو‪ ،‬فهمت انه إمسه ابتسمت وأشارت‬ ‫باصبعها لصدرها قالت حسناء ‪ ،‬إبتسم وحاول أن ينطق االسم لكن اضحكتها هلجته فضحكت وضحكوا معا لقطة مل متر دون‬ ‫أن تلتقطها عيون بعض صديقاهتا وهن يتفحصن السيارة ومن بداخلها ‪ ،‬نزل وفتح الباب هلا فرتجلت شكرته بلغتها دون أن يفهم‬ ‫‪ ،‬اننى احرتاما وانصرف ‪.‬‬ ‫يف الصباح تتبعتها العيون اجلريئة الغري بريئه‪ ،‬مل يتوقف األمر عند هذا احلد بل خاطبتها إحداهن بلؤم قالت هلا كيف تسمحني‬ ‫لنفسك أن يوصلك رجل غريب عجيب أمرك ‪ ،‬تدعني الربائة وأنت شيطانة ‪ ،‬مل تعر قوهلا اهتماما فهي أعلم بنفسها منها لكن‬ ‫آخدت صديقاهتا على الفعل الشنيع الذي اقرتفوه يف حقها ملا تركوها وحدها يف املول ‪ ،‬عيب عليكن قالت وانصرفت لعملها‬ ‫الشاق برشاقة كاهنا تذهب السرتاحة ‪ ،‬شعرت بشئ مجيل يف أعماقها ‪.‬‬

‫يف املساء وهن يغادرن املزرعة إذ هبا تالحظ الرجل الغريب الذي اوصلها ينتظرها وحاول أن يكلمها ‪ ،‬مل تفهم ما يقوله فتعجلت‬ ‫اإلنصراف بعد أن طلبت من صديقتها أن تشكره مكاهنا عن لطفه ملا أوصلها ‪ ،‬حلقتها الصديقة وهي يف حالة ذهول وقالت هلا‬ ‫الرجل طلب رقم هاتفك ‪ ،‬رفضت لكن حتت إحلاح صديقتها أعطته رقما خطأ ‪.‬‬ ‫يف الغد عاود انتظارها ‪ ،‬يظهر أنه مل يستسلم و قال هلا أريد رقمك ‪ ،‬فكرت قليال و قالت رمبا يريد مساعدهتا ‪ ،‬أعطته الرقم يف‬ ‫ورقة وقالت لصديقتها أن ختربه باحلرف أن حسناء جائت إلسبانيا لالشتغال بعرق جبينها وأهنا امرأة مطلقة و عندها بنت‬ ‫صغرية ‪ ،‬اتت لتحسن وضعيتها املادية ال أقل وال أكثر ‪ .‬رد الغريب لتخربيها سيدتي رجاءا إنين أريدها للزواج وأنا صادق ‪،‬‬ ‫اندهشت الصديقة وهي خترب حسناء أن انطونيو يرومها للزواج ‪ ،‬رفضت يف البداية قالت هلا قويل له باحلرف إنين كرهت الرجال‬ ‫‪ ،‬إنين مررت بتجربة قاسية وال أريد أن أعيش األحزان من جديد ‪ ،‬خاطبها عرب صديقتها إنه معجب هبا ويريدها للزواج ‪ ،‬بعد‬ ‫تفكري طويل و عميق وافقت بشرط أن يدخل اإلسالم فوافق على الفور ‪.‬‬ ‫مرت مدة ومرارا التقوا ومل يسئ معاملتها بل أخذها لزيارة عائلته أمه وابيه الذين مل يتناووا يف إظهار إشارات الرتحيب بالوافد‬ ‫اجلديد ‪ ،‬كانوا كرماء وكان شهما‪،‬‬ ‫مت الزواج وعندما ذ هبت لبيتها اجلديد انصدمت ‪ ،‬مليء بقارورات الكحول ‪ ،‬الكحول يف كل مكان و الثالجة مليئة بلحوم اخلنزير‬ ‫‪ ،‬يا إهلي قالت له ‪ ،‬لن أستطيع العيش يف هذه الظروف ‪ ،‬قال هلا باحلرف افعلي ما تشائني ‪ ،‬استبشرت خريا‪.‬ورتبت البيت‬ ‫مبزاجها واستخلصت أوراق إقامتها بالديار اإلسبانية ‪ ،‬لقد اكتسبت اجلنسية ‪.‬‬ ‫جاءت العطلة و قرروا السفر للمغرب ‪ ،‬استقبلتها امها على مضد ارفض هذا الزواج قالت ‪ ،‬مل تستسغ أن ابنتها تتزوج‬ ‫نصراني‪ ،‬أمي أقسم لك أنه مسلم ‪ ،‬مل أكذب عليك ‪ ،‬فرحت به األم ‪ ،‬رحبت به ‪ ،‬لقد أصبح عضوا من العائلة خاصة بعد أن‬ ‫ذأب على الذهاب للمسجد ‪ ،‬أخاها األكرب كان له رأي مغاير ‪ ،‬صمم على الرفض ومل يعاود الزيارة ‪ ، ،‬أما ابوها فهو ال يعلم ما‬ ‫جيري حوله ‪.‬‬ ‫يتبع‬

‫‪Abdellah Sadiqi‬‬ ‫‪- 4_1‬‬‫غبداهلل صادقي‬ ‫تتمة قصة‬ ‫موسم قطف الفراولة‬ ‫اطرق طويال ثم بنربة حزن أخربها ان والدهتا مريضة جدا وأضاف قد حبثنا عنك يف كل مكان هو االن مبحض الصدفة ان‬ ‫التقينا و ملا ليس معك هاتف أخربيين وانت يف بالد الغربة اال تعلمني اننا يف القرن الثاني والعشرين اال ختجلني ‪ ،‬كنت هناك يف‬ ‫القرية قالت وحصلت معي أشياء ومل يكرتث احد المري منذ كنت طفلة حتى بعد زواجي وعندما هربت انا وابنيت كالطريدة‬ ‫كاني لقيطة او بي لعنة مل ينتبه يل احد ‪ ،‬خاطبها بنربة حزينة والدتك تبكي و تريد رايتك ‪ .‬اتصلي هبا هاهو اهلاتف ‪ ،‬شغله‬ ‫قالت انا مل تالمس يداي هاتف من قبل ‪ ،‬اجد صعوبة يف هتجأة احلروف واالرقام كما انين ال اجد يف نفسي الرغبة الشرتي‬ ‫هاتف لكن اآلن أصبح لزاما علي ‪ ،‬لكن ال جميب فقط يرن قالت اال تسمع ‪ ،‬وانشغل فكرها عن امها فتعجلت السفر لقريتها‬ ‫‪.‬‬ ‫رجعت ما شعرت بنفسها اال وهي يف بيت أمها لكن ال أحد ‪ ،‬صرخت بأعلى صوهتا اممكن ان تكون امها قد ماتت ‪ ،‬فجاة‬ ‫شرع الباب بقوة ودخلت االم مسرعة لتقول هلا ما بك افزعتيين ‪ ،‬هوت حسناء على األرض من طوهلا و غابت للحظات‬ ‫فأسرعت االم وقطعت بصلة ووضعتها حتت انفها فاستفاقت مرعوبة وبادرت امها باستفسارها انت لست مريضة ‪ ،‬اجابت‬ ‫االم متفاجئة الشر بعيد اعلم من اخربك بذلك فقط هو ارادك جبانيب لقد بدأت اتعب لقد أخربني مبا اومهك ‪ ،‬مل ترد مجيلة بل‬ ‫متددت وابنتها على الفراش وغاصت يف نوم عميق ‪.‬‬

‫كانت تنوي رؤية والدهتا و الرجوع للعمل يف الدار البيضاء لكن والدهتا اصرت عليها بالبقاء و قالت هلا إن أردت أن تشتغلي‬ ‫فليكن يف املصنع اجملاور فهم حيتاجون لعامالت لكن دعي ابنتك معي ‪ ،‬ذهبت لالشتغال يف معمل السمك لقد كان لزاما عليها‬ ‫العمل لتحمل مصاريف ابنتها ‪.‬‬ ‫ذات يوم و النساء يشتغلن مسعتهن بالصدفة يتكلمن عن هجرة العامالت املغربيات لالشتغال حبقول الفراولة بإسبانيا فسألتهن‬ ‫كيف يتم ذلك ‪ ،‬أجبنها بتهكم انت دوما آخر من يعلم اسرعي انه اليوم األخري للتسجيل ‪ ،‬فانطلقت كالسهم و عملت كل ما يف‬ ‫وسعها للتسجيل ‪ ،‬وثم هلا ذلك بعد خماض عسري ‪.‬لكن اخربوها بضرورة حصوهلا على جواز السفر‪ .‬و كيف هلا ذلك و‬ ‫ليس عندها حتى مايكفيها لقوت يومها ‪ ،‬استنجدت بامها لتمدها بالنقوذ فحصلت عليها وذهبت بعد أيام إلسبانيا لتشتغل‬ ‫مبزارع الفراولة تاركة طفلتها عند أمها‪.‬‬ ‫عامل خمتلف ال الوجوه وال اللغة وال الطبيعة تشبه بلدها وجدت نفسها غريبة حتى بني بنات جلدهتا ‪ ،‬هتكموا عليها كلهن من‬ ‫شكلها صربها واستماثتها يف الشغل فلقبوها بالوزغة واستغلوها يف املطبخ سوء استغالل فهي بطبعها مساملة لقد شعرت اهنا غري‬ ‫مرغوبة ‪.‬‬ ‫ذات يوم عطلة دعوها للخروج معهم للتسوق يف احملالت التجارية الكربى وملا وصلوا للمول اخربوها ان احلافلة اليت ستعيدهم‬ ‫للمزرعة ستتواجد مع الساعة الثامنة ‪ ،‬فابتهجت انفصلت عنهن وتنقلت بني األروقة وتبضعت قليال فلم تشعر بالوقت ميضي‬ ‫حتى اشتغلت االضواء فاضطربت ايكون قد حل الظالم هي السابعة والنصف فقط ال زال لديها وقت للتسكع والتبضع لكن‬ ‫فضلت اخلروج للباب لتالقي صديقاهتا ‪ ،‬بدأت جتول ببصرها يف اإلرجاء ال صديقات ال وجود هلن ‪ ،‬هي الثامنة االن اين احلافلة‬ ‫تسائلت ‪،‬‬ ‫اصبحت الثامنة والنصف ال صديقات وال حافلة وتوقفت حائرة اتكون الفتيات غرروا هبا وشعرت اهنا منبودة و اين ستتجه‬ ‫االن و ليس هلا وجهة تعرفها ومل ترى وجوها مألوفة لتسأهلم عن مزرعة الفراولة حيت هي تشتغل‪.‬‬

‫وقفت جبانب ا لطريق تبكي بتخفي لقد أصبحت دمعتها سهلة لكن خشيت ان يالحظ دموعها غريب إذ به يتوقف جبانبها‬ ‫هذا الغريب هو رجل أشقر رياضي عادي ووجهه يتصبب عرقا و كلمها باإلسبانية ‪ ،‬مل تفهم ما يقول لكن تلعتمت اسم‬ ‫املصنع ‪ ،‬ابتسم وقال هلا باإلشارة انتظريين هنا وانطلق مسرعا ‪.‬‬ ‫يتبع‬

‫‪Abdellah Sadiqi‬‬ ‫‪- 5_1‬‬‫عبداهلل صادقي‬ ‫موسم قطف الفراولة‬ ‫مسوها حسناء وحقيقة مل تكن كذلك فهي فتاة بدون مميزات عادية جدا جبسم شبه قزم شهدت والدهتا إحدى البوادي املنسية‬ ‫باجلنوب املغربي‪ ،‬هي الصغرى وسط أسرة فقرية ستة أخوة وأب معاق نتيجة حادثة وأم مقاتلة تشتغل باستماثة يف احلقول‬ ‫لتضمن إطعام كل االسرة ‪،‬‬ ‫تزوجت ابنتهم الكربى وامسها نزهة يف سن مبكرة ومل تتجاوز اخلامسة عشرة من عمرها من رجل يكربها بعشرين سنة ‪ ،‬كان‬ ‫فقيها و خياطا يف نفس الوقت ‪ ،‬كانت االم وكأهنا وجدت احلل خترج للعمل و تبعث باالبناء عند أختهم املتزوجة لكي هتتم‬ ‫بشؤوهنم يف غياهبا وطمعا ان يقوم الفقيه مبساعدهتم يف إجناز واجباهتم الدراسية لكن هيهات ‪ ،‬فنزهة سرعان ما ضجرت وهلم‬ ‫تنكرت عاملتهم بقسوة حتى مارست عليهم العنف اجلسدي واللفظي مبباركة زوجها الفقيه الذي شعر وكأن بيته الضيق تعرض‬ ‫لقواة غازية من األطفال ‪ .‬نزهة تكلف اخواهنا باشغال شاقة حتى وان مل تكن هناك حاجة لذلك رغم صغر سنهم و نفس‬ ‫املعاملة لقوها من الفقيه ‪ ،‬االم مل تكرتث لالمر فقط تكتفي بضخ املال البنتها من أجل اطعام اخواهنا وبداخلها غصة مل تفصح‬ ‫عنها ‪.‬‬ ‫كرب اإلخوة ووجدوا أنفسهم بدون تعليم وال رعاية فاحتدوا و انتفضوا ضد االخت االم والظلم وغادروا ملدينة الدار البيضاء‬ ‫للعمل بأيعاز من اخيهم عبد القادر وكان هو األكرب عمره حينها ثانية عشرة سنة ‪.‬‬ ‫بقيت حسناء األمية مع اختها كخادمة وعندما تصارح امها مبا تقاسي جتيبها حبنكة وحكمة اختك كأمك و عليك احرتامها ‪.‬‬

‫كربت حسناء وبلغت سن الثامنة عشرة وجسدها مل يتغري كثريا و تقدم شاب خلطبتها وبدون تفكري وافقت للهروب من الواقع‬ ‫املر الذي تعيشه ‪ ،‬الزوج فقري و عاشت معه وامه كخادمة يف وضعية مزرية زادت من مأساويتها اجناهبا لطفلة كان مصريمها معا‬ ‫الطرد بعد توصلها حبكم التطليق ومستحقاهتا من طالقها كانت زهيدة تبخرت يف ظرف تالثة اشهر ‪.‬‬ ‫رجعت مقهورة وطفلة مل تكمل السنة خبفي حنني من زواجها مرغمة لبيت اختها لنفس املعاناة و املأساة حماصرة بكلمات‬ ‫كخنجر تقطع احشائها وتنزف قلبها هي دوما نفس الكلمات الطالق مدلة وصمة عار لكل امرأة ‪.‬‬ ‫تبخر الزوج و مرت االيام وتولدت لديها فكرت اهلروب حتى يوما قررت وفرت لتجدت نفسها منبهرة بالدار البيضاء وشوارعها‬ ‫وكاهنا حمض خيال فابتهجت كطفلة وهي تتسلل من شارع آلخر حتى فاجئها الظالم لقد حل الليل ووجدت نفسها وحيدة مع‬ ‫ابنتها يبكيان ‪ ،‬تقدم رجل شرطة و ساهلا عن حاهلا فقالت له اهنا خائفة و ال تعرف احدا يف هذه املدينة العمالقة ‪ ،‬ادخلها‬ ‫الشرطي للمخفر واشرتى هلم عشاء وكان عمل إنساني رام من ورائه الثواب‬ ‫حل الصباح فخرجت و شكرته على موقفه الرجويل‪.‬وجلست على الرصيف تستجمع افكارها فاجأهتا متسولة بالسب‬ ‫وهنرهتا وطالبتها بافراغ املكان ‪ ،‬مل تفهم شيئا وال الداعي لذلك يف البداية حتى وقف رجل و مد هلا قطعة نقدية من فئة ‪100‬‬ ‫درهم تعاطفا مع ابنتها ففرحت هبا كثريا لكن فرحتها مل تدم طويال حني اختطفتها منها املتسولة ‪.‬‬ ‫جلست تفكر و قالت يف نفسها ‪ ،‬اجلس يف هذا الرصيف و كل من مر يعطيين نقودا‪ ،‬مل تطل التفكري حتى توقفت سيارة‬ ‫ترجلت منها سيدة سالتها عن حاهلا وماذا تفعل على الرصيف ‪ ،‬بكت حنان من القهر وقالت هلا بأنا مطلقة و ابنتها ال‬ ‫زالت رضيعة واهنا ترغب يف االشتغال بعرق جبينها يف احلالل ‪ ،‬قالت هلا السيدة ما رايك ان تذهيب معي للمنزل و تعملني‬ ‫كمساعدة المي مقابل ‪ 500‬درهم ‪ ،‬توجست خيفة يف البداية و مل تأمن للسيدة لكن مل يكن لديها خيار آخر فذهبت معها و‬ ‫بالفعل اشتغلت مبقابل و كانو نعم األسرة يعاملوهنا احسن معاملة‪.‬‬ ‫مرت االيام واثناء تسوقها كما العادة إذ هبا تصادف أخاها االكرب تفاجئا معا وبدون عناق ساهلا عن ماذا تفعل هنا يف الدار‬ ‫البيضاء ‪ ،‬أجابته باستنكار ملا تسالين االن ‪ ،‬ملاذا مل تسال عين من زمان ملا تركتموني وحيدة وسط اجلحيم ‪.‬هل أنا ال‬ ‫استحق االهتمام ‪ ،‬انا و ابنة االن و مل تعلموا عين شيئا ومل تعريوني اهتماما ‪.‬‬

‫يتبع‬

‫‪Abdo Daoud‬‬ ‫‪- 6_1‬‬‫عدالة السماء‪،‬‬ ‫قصة أختم فيها عام ‪ 2022‬وإىل اللقاء يف العام القادم إن شاء اهلل‪ ،‬وكل عام وأنتم خبري‪...‬‬ ‫شخص كان يعيش يف اخلطيئة‪ ،‬كان ميارس كل انواع الشرور والرذائل املعروفة وغري املعروفة‪ .‬لذلك لقبوه بالشيطان‪ ،‬عندما مات‪،‬‬ ‫أحد مل يكرتث به‪ ،‬بل بالعكس فرح الناس مبوته‪ ،‬وحتمدوا اهلل ألهنم ختلصوا من شرير ربط حياته مع الشيطان‪ ،‬وتوقعوا مصري ذلك‬ ‫الفاسد‪ ،‬وقالوا حتماً ذاك احلقري سيواجه مصريا أسود‪ .‬عند قاضي السماء‪.‬‬ ‫جاءت جنود السماء‪ ،‬وساقت ذاك املنبوذ اىل دار العدل السماوية حملاكمته‪.‬‬ ‫أخذ القاضي حيدق يف ملف ذاك الشخص مستاءً مشمئزاً‪ .‬حيدق يف وجه الرجل تارة‪ ،‬ويف ملفه تارة أخرى‪ .‬ملف يفيض ويفور‬ ‫بالشرور واخلطايا والرذيلة املخالفة لكل الوصايا والتعاليم السماوية يف كل األديان‪.‬‬ ‫راجع القاضي ملف الرجل‪ ،‬ولكنه مل جيد بني السطور نقطة مضيئة واحدة‪.‬‬ ‫سأل القاضي الرجل‪ :‬كيف تدافع عن نفسك وأمامي ملفك األسود هذا‪ ،‬وكل هذه احلماقات والذنوب اليت كنت ترتكبها؟‬ ‫قال الرجل "ال تعذب نفسك يا سيدي‪ ،‬أنا لن ادافع عن نفسى أنا أعرف طريقي‪ ،‬فأنا ذاهب اىل عذابات لن تنتهي"‬ ‫سالت دموع القاضي حزنا على اخلاطئ‪ ،‬وعلى املصري التعيس الذي ينتظره يف املكان الصعب‪ ،‬حيث البكاء‪ ،‬وصريف‬ ‫األسنان‪ .‬مكانٌ ناره حارقة ال ختمد‪ .‬وال تقبل هناك للخاطئني أي شفاعة أو رجاء‪.‬‬ ‫سأل القاضي الرجل جمددا‪ ،‬أمل تفعل فعل خري واحد يف حياتك قد خيفف من عذاباتك ويشفع لك؟‬ ‫قال الرجل‪ :‬ال يا سيدي‪ ،‬مل أفعل‪.‬‬

‫فوجئ القاضي عندما رأى نوراً يشع غامزاً يف ملف الرجل‪ .‬عاود القاضي النظر إىل امللف بدهشة واستغراب‪ ،‬فارتسمت‬ ‫ابتسامة عريضة على وجه‪...‬‬ ‫سأل القاضي اخلاطئ جمدداً‪:‬‬ ‫يا رجل‪ ،‬أمل يطرق بابك يوما فقري متسول يف ليلة ثلجية يسألك أن تعطيه حذاء ينتعله ليحمي قدميه العارتني من جليد الطريق‪،‬‬ ‫صادف ليلتها‪ ،‬كان عندك حذاء جديدا كنت قد اشرتيته ليوم العيد‪ ،‬اشفقت على ذلك الرجل وآثرته على نفسك‪ ،‬وأعطيته‬ ‫احلذاء‪ ،‬ثم دعوته على العشاء وقدمت له حساءً ساخنا؟‬ ‫هل فعال أنت فعلت ذلك؟‬ ‫قال الرجل نعم يا سيدي‪ ،‬فعلت‪ ،‬ولكن ماذا ينفعين عمل واحد أمام ملفي املليء بالشرور اليت ارتكبتها يف حياتي والعظائم اليت‬ ‫فعلتها؟‬ ‫قال القاضي‪ :‬ذلك الرجل الذي طرق بابك هو من سكان السماء‪ ،‬وهو الذي يتشفع لك اآلن ويطلب من يسوع وأمه مريم العذراء‬ ‫الرمحة لك‪.‬‬ ‫بعدها ابتسم القاضي وقال‪ :‬هذا الفعل الوحيد الذي فعلته مبحبة‪ ،‬وهذا التشفع احلار من ذاك الرجل‪ ،‬قد زاد وزنه على أوزان‬ ‫أفعالك الشريرة اليت ارتكبتها يف حياتك‪ .‬كلها‬ ‫أذهب اىل الفردوس‪ .‬لتنعم باحلياة األبدية يف أحضان إبراهيم‪.‬‬ ‫وعظة مسعتها من أحد اآلباء‪:‬‬ ‫‪28.12.2022‬‬

‫‪Abdo Daoud‬‬ ‫‪- 7_1‬‬‫عاشقة البحار‬ ‫قصة‬ ‫مسعوا طرقاً خفيفاً على باب البيت يف ساعة متأخرة من الليل‪ ،‬نظرت أم مسرية إىل زوجها باستغراب‪ ،‬هو حرك شفتيه مبعنى ال‬ ‫يدري من الطارق‪...‬‬ ‫فتح الباب حبذر ‪ ،‬وإذ ابنته مسرية بلباس البحرية األبيض تقف أمامه‪...‬‬ ‫صاح األب بفرح جمن ون‪ ،‬هذه مسري‪ ،‬أختها قفزت من السرير‪ ،‬واألم هرعت يف لباسها النوم‪ ،‬يستقبالن الغائبة احلاضرة‪ ،‬أعز الناس‬ ‫حبيبة القلب‪...‬‬ ‫قالت مسرية‪ :‬بأن السفينة (سفينتها) وصلت لبنان وستبقى اثنان وثالثني ساعة يف امليناء‪ ،‬لذلك جئت أراكم وغداً مساء‬ ‫سأعود إىل بريوت‪...‬‬ ‫قالت األم‪ :‬يا‪ ،‬صارت زيارتك حمسوبة علينا بالساعة‪...‬‬ ‫مل تعد العائلة تعرف ما الذي تفعله لالحتفال بالضيفة احلبيبة‪...‬‬ ‫أمها مل تكف عن تقبيلها‪ ،‬أختها ال تنتهي اسئلتها‪ ،‬ابوها يشعر بالفرح‪ ،‬والغبطة متأل قلبه‪ ،‬ال يتكلم‪...‬‬ ‫تلك الليلة مل تنم العائلة على اإلطالق‪ ،‬اشرقت الشمس واسئلة اختها مل تنتهي‪...‬لكنها هنضت لتحضر قهوة الصباح‪...‬‬ ‫أبو مسرية قال‪ :‬اليوم سآخذه عطلة ابتهاجا بوجود حبيبة القلب معنا‪...‬‬ ‫أم مسرية ذهبت إىل السوق لتحضر لوازم الطبخات اليت حتبها ابنتها الضيفة‪...‬‬

‫ودار السؤال بني مسرية وأختها هل ستخرب مسرية األستاذ مسري حبضورها‪ ،‬أم تكتمان األمر عنه؟‬ ‫قالت ملك إذا مل خنربه‪ ،‬وعرف فيما بعد بأنك كنت يف الشام‪ ،‬ومل تتصلي معه سوف يقطع زياراته لنا ولن نشاهده بعدها‪...‬‬ ‫وأخريا كتبت له مسرية‪ ،‬رسالة قصرية مستخدمة اجلوال قالت‪ :‬أنا يف دمشق‪...‬‬ ‫ال أحد يدري ما الذي حدث لسمري‪ ،‬هل كانت نوبة فرح هستريية‪ ،‬أم تساؤالت عديدة متناقضة دارت يف فكره‪ ،‬هل مسرية‬ ‫وافقت أخرياً أن تعود إىل الشام‪ ،‬وتنهي عقدها مع شركة املالحة؟ وهل هي وافقت أخريا أن نتزوج ونقيم معاً يف دمشق‪،‬‬ ‫أم ماذا هناك يا ترى؟‬ ‫أفكار كانت تدور يف رأسه‪ ،‬وكان يرقص فرحاً‪ ،‬ومل يعد يدري هل يذهب فوراً اليها‪ ،‬أم ينتظر إشارة منها‪ ،‬أخرياً‪ ،‬هدأ انفعاالته‬ ‫الصاخبة‪ ،‬وأخذ محاماً ساخناً‪ ،‬وهندم ذاته بشكل غري عادي‪ ،‬وركب سيارته الفخمة‪ ،‬وانطلق إليها‪ ،‬بينما أمه كانت تتساءل‬ ‫ومتتم قائلة‪ :‬ربنا يعطينا خري هذا اليوم‪...‬يبدو هناك قصة حب جديدة ‪ ،‬إن شاء اهلل نكون قد انتهينا من تلك اجملنونة عاشقة‬ ‫البحار‪...‬‬ ‫وألول مرة يندفع مسري ويقبل مسرية بكل عواطفه وأهلها ينظرون إىل هذا العاشق الوهلان مبحبة وهم متمنون أن تعود مسرية‬ ‫وترضى بقبول هذا العريس العاشق املعذب‪...‬‬ ‫اصر مسري بأن يعزم العائلة إىل وجبة غذاء يف أفخم مطاعم املدينة‪ ،‬لكن مسرية رفضت قبول الدعوة بشدة‪ ...‬وقالت هي‬ ‫ساعات قليلة وسأغادر إىل لبنان‪...‬‬ ‫حتطمت فرحة مسري عندما علم بأن مسرية قد أتت لتزور أهلها لساعات قليلة وستعود إىل سفينتها عشية ذلك اليوم‪...‬‬ ‫مسرية تقصدت أن تر مسري دفرت مذكراهتا وقالت لقد بدأتُ عملية مجع املعلومات‪ ،‬كل يوم سأكتب اجلديد‪ ،‬وبعد أن أكتفي‬ ‫سأنسق هذه املعلومات يف كتاب امسه (عاشقة البحر)‬ ‫تقصدت مسرية هذه الكلمات لتأكد لسمري إصرارها على حتقيق هدفها بأن تصبح الكابنت مسرية ملكة البحار‪...‬وتقود‬ ‫السفينة السياحية‪ ،‬بل األحرى املدينة العائمة عرب العامل‪ ،‬اليت متخر عباب البحار‪ ،‬وحتتك بشعوب األرض وثقافاهتم‬

‫املختلفة‪...‬ولن حتيد عن رغتها هذه مهما واجهت من مصاعب‪ ،‬حتى ولو كان الثمن الذي ستدفعه هو‪ :‬حبها الكبري الذي‬ ‫تعتربه الفداء الذي ستقدمه على مذابح الضحايا‪ ،‬حتى تستمر يف الوصول إىل قلب الدريئة‪ ...‬وإىل هدفها الذي صار مقدسٱ‬ ‫يف حياهتا‪ ،‬وها هي تدفع الثمن غاليا حبها ومستقبل قلبها‪...‬ثن باهظ جدا بل هو باألحرى كل حياهتا الذي هو حبها‬ ‫الكبري يف حياهتا‪.‬‬ ‫كان هنارا منقضته مسرية يف ربوع أهلها ومعها حبيبها الذي تعتربه السعادة املتجسدة يف حياهتا‪...‬‬ ‫اصر مسري أن يوصل خطيبته إىل بريوت لتستأنف رحلته عرب العامل‪ ،‬وكم حاول أن يقدم هلا من املشهيات اليت تتمناها حتى تغري‬ ‫رغبتها يف عشق البحار‪ ...‬قال هلا‪ :‬لك شقة سكنية يف أمجل مناطق دمشق‪ ،‬سيارة فخمة خاصة لك‪ ،‬وكل ما تشتهينه يف‬ ‫هذا العامل سأقدمه لك‪ .‬فقط ارجعي لتعيشي معي ونربي أطفالنا سوية‪...‬‬ ‫قالت مسرية يف سرها‪ :‬أنا ال أختلى عن حلمي لو ملكوني العامل‪ .‬لكنها قالت‪:‬‬ ‫يا مسري إدا رة السفينة تعطينا شقة يل ولك وستكون شقة فخمة ملوكية عندما أصل إىل قيادة السفينة‪...‬وقالت بوضوح‪ :‬أنا ال‬ ‫أريد أوالدا ألنين لن أكون على اليابسة معهم‪ ،‬ولن أدعهم للمربيات أن يقمن بواجب األم بدالً عين‪.‬‬ ‫أنا اآلن أكتب يومياتي‪ ،‬وعندما أتقاعد‪ ،‬سأكون املستشار لقادة السفينة اجلدد‪ ،‬وحينها سأتفرغ لنقل يومياتي اليت أكتبها يوما بعد‬ ‫يوم إىل مؤلفات عن عامل البحار لتكون قصة حياتي وقصة حيب الكبري‬ ‫أنا والبحر‪.‬‬ ‫بقلمي‪ :‬عبده داود‬ ‫‪22.12.2022‬‬

‫‪Abdo Daoud‬‬ ‫‪- 8_1‬‬‫االكتفاء واحلرية‬ ‫تالميذ يف حصة الرياضة يلعبون يف باحة املدرسة‪ ،‬يتصاحيون‪ ،‬ويركضون خلف الكرة ذهابا وإيابا‪...‬مباريات يف كرة القدم‪...‬‬ ‫أثناء ذلك‪ ،‬صادف عبور سرب طيور يف السماء‪ ،‬توقف التالمذة عن اللعب‪ ،‬وأخذوا يراقبون الطيور العابرة‪.‬‬ ‫تلميذة سألت املعلمة‪ :‬أين ذاهبة هذه الطيور؟‬ ‫قالت املعلمة‪ :‬هتاجر جنوبا حبثاً عن مناطق أكثر دفئاً‪ ،‬خشية صقيع الشتاء‪ .‬وتعود يف الربيع عندما يتحسن الطقس‪ ،‬وترتفع‬ ‫درجات احلرارة‪...‬‬ ‫قال تلميذ‪ :‬يا ليتين أنا طائر مثل هذه الطيور املهاجرة‪...‬‬ ‫ضحكت املعلمة وقالت‪ :‬أنت إنسان‪ ،‬ربنا جعلك ملكاً‪ ،‬وسلطك على األرض كلها‪ ،‬تود أن تكون جمرد طائر تائه ال حول له‬ ‫وال قوة‪...‬تتعرض لظروف احلياة الصعبة‪.‬‬ ‫رد التلميذ‪ ،‬قالت أمي‪ :‬الطيور متلك حرية واسعة‪ ،‬نفتقد هلا نن البشر‪ ،‬الطيور تتنقل عرب السماء حيثما تشاء ليست حباجة إىل‬ ‫جوازات سفر‪ ،‬وال تفتيش يف اجلمارك‪...‬وال فيز وال تأشريات خروج وال شيء من هذا أو ذاك‪ ...‬الفضاء كله وطنها‪...‬‬ ‫بينما اإلنسان سجن نفسه ضمن حدود مرسومة ومسجلة أصوال دولياً‪ ،‬وصار امسها دولة‪ ...‬وصار حمرم على سكان تلك‬ ‫األرض جتاوزها‪ ،‬إال مبعامالت خاصة‪ ،‬وبات مطلوباً منهم الدفاع عن تلك األرض‪ ،‬اليت امسوها الوطن‪ ،‬وتأتي الكارثة إذا دولة‬ ‫قوية طمعت يف تلك الدولة‪ ،‬تعرب احلدود‪ ،‬وتفتك بسكان تلك الدولة‪ ،‬وتنهب البالد‪ ،‬وتضم األرض إىل ممتلكاهتا اخلاصة‪ ،‬لتوسيع‬

‫أراضيها وبذلك تتغري اخلريطة اجلغرافية العاملية‪...‬كما فعلت إسرائيل يف فلسطني وسورية‪ ...‬وال يزال الصهاينة يتوسعون‬ ‫وخيططون لسلب املزيد من األراضي العربية‪...‬‬ ‫لذلك أخذت الدول تتسلح وتصرف أغلب امكانياهتا على التسلح‪ ،‬مصائب اصابت عقول البشر‪ ،‬ولوال صرف تلك األموال‬ ‫اجملنونة على التسلح‪ ،‬لكانت األرض جنة من جنات اخلالق‪ ...‬وعاشت مجيع الشعوب بسالم وحرية واكتفاء‪...‬‬ ‫هذه هي مصيبة البشر عدم االكتفاء‪...‬‬ ‫قالت املعلمة‪ :‬أمك معها حق‪ ،‬اهلل ميزنا أعطانا العقل‪ ،‬اخلري والشر وروح اإلبداع‪ ،‬وهذا شأنه هو‪ :‬وقال من يتغلب على الشر يف‬ ‫داخله‪ ،‬يكافئ بدميومة احلياة والسعادة األبدية‪...‬والذين ال يسمعون صوت الرب وال يعملون بوصاياه‪ ،‬بئس مصريهم‪ ،‬هناك‬ ‫النار والعذاب‪ .‬أرواحهم ال حترتق‪ ،‬عذاباهتم مستدمية‪...‬‬ ‫قالت تلميذة‪ :‬بابا ذهب اليوم هو وأصدقاؤه إىل الصيد‪ ،‬هل يعترب الصيد غزو عامل احليوانات؟‬ ‫قالت املعلمة‪ :‬إذا كان الصيد من أجل جلب الطعام لألسرة‬ ‫هذا حالل‪ ،‬وربنا يبارك فيه‪ ،‬أما إذا كان الصيد من أجل املتعة‪ ،‬يقتلون الطرائد جملرد اللهو والتسلية هذا حرام جداَ هذه مهجية‬ ‫وختلف‪ ...‬واهلل يعاقب عليها‪.‬‬ ‫قالت طفلة‪ :‬الطيور تتمتع يف احلرية أما بين البشر‪ ،‬تتحكم فيهم الساعة والوقت‪.‬‬ ‫قالت املعلمة‪ ،‬كالمك صحيح يا سوسن‪ ،‬لكن حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية اآلخرين‪ ،‬ال جيوز أن هنمل حرية اآلخرين ونقول‬ ‫نن أحرار‪ ...‬ال جيوز أن ننسى واجباتنا والتزاماتنا ووصايا ربنا ونقول نن أحرار‪ ...‬للحرية قواعد والتزامات‪ ...‬والنظام‬ ‫هو أساس التداول العاملي‪.‬‬ ‫أليس النظام مجيالً؟ أليس هو الذي ينظم حياة البشر‪ ،‬ويساهم يف تطوير اجملتمعات‪ ،‬وجيعل العامل كله يسري يف نظام عاملي متفق‬ ‫عليه دولياً‪ ،‬كل شيء مربمج‪ ،‬الوظائف‪ ،‬الطريان‪ ،‬القطارات‪ ،‬والسفن‪ ،‬وحركة الناس‪ ،‬كل الناس مرتابطة بنظام الساعة اليت هي‬ ‫املديرة كما تقولون‪...‬‬

‫أيضا الطيور هلا أنظمتها اخلاصة‪ ،‬أال ترون كيف تطري كلها يف نظام مثري مع بعضها البعض‪ .‬هلا قادة يعرفون كيف يقودهنا إىل‬ ‫شاطئ األمان‪...‬‬ ‫قال تلميذ‪ :‬ملاذا ال نوفر هلا الطعام والشراب حتى تبقى عندنا‪ .‬وال تتعذب تبحث عن الطعام‪ ،‬وعندنا ال ختشى بنادق‬ ‫الصيادين‪...‬‬ ‫قالت املعلمة‪ :‬هذا سؤال ذكي وأنا شخصيا أفكر فيه من زمان‪...‬‬ ‫دعونا نثبت أيهما أفضل االكتفاء‪ ،‬أم احلرية؟ ألسنا نن نب الطائر املوجود يف الصف ضمن القفص الذهيب‪ ،‬مجيعكم تعتنون‬ ‫به‪ ،‬وتقدمون له اخلدمات املطلوبة من الطعام واشراب‪ ،‬والنظافة‪ ،‬وكل وسائل الرفاهية املمكنة‪ ...‬كم أنتم حتبونه‪ ،‬وتقلدون‬ ‫الزقزقة معه‪ .‬حتى هو صار حيبنا أيضا بدليل صوته الشجي‪ ...‬هل تعتقدون بأنه سيغادرنا إذا فتحنا له باب القفص‪...‬‬ ‫هل سيعود ألينا؟ أم يفضل أن يعيش خارجا يف الفضاء‪ ،‬حيث الربد والصقيع يف الشتاء‪ ،‬والقيظ يف الصيف‪ ،‬ناهيكم عن بنادق‬ ‫الصيادين اليت تركض الهثة وراء الطيور‪ ،‬حتى تقضي عليها وحترمنا متعة أصواهتا وتراتيلها املالئكية‪...‬‬ ‫هل سيغادرنا الطري إذا فتحنا له باب القفص؟ أم سيعود إلينا؟‬ ‫كانت املعلمة مقتنعة متاما‪ ،‬بأن الطائر سيعود ال حمال‪،‬‬ ‫انقسم التالمذة بني مؤيدين سيعود‪ ،‬ومعارضني ال لن يعود‪...‬‬ ‫وعندما فتحوا له باب القفص‪ ،‬غرد مرفرفا بفرح ودار عدة دورات يف مساء الغرفة وغرد حلناً رائعاً مل يسمعوه يوماً‪ ،‬وابتعد‬ ‫حملقاً يف السماء‪ ،‬انطلق يبحث عن احلب ذهب إىل رفاقه حيث ينتمي‪ .‬وهناك سيجد رفيقة حياته‪...‬‬ ‫احلرية هي األعظم‪...‬‬ ‫بقلمي‪ :‬عبده داود‬ ‫كانون أول‪2022‬‬

‫‪Abdo Daoud‬‬ ‫‪- 9_1‬‬‫بالد التاريخ‬ ‫كانت إحدى هواياتي ركوب الدراجة اهلوائية‪ ،‬أمتطيها وأعرب بساتني بلدتي‪ ،‬أتنسم اهلواء النقي‪ ،‬وأتنشق أريج الزهور عندما‬ ‫يكون الطقس مجيال‪ ،‬وخاصة عندما تبدأ أزهار املشمش تزين املزارع‪ ،‬وتعطر األجواء‪ ،‬ذلك يشعرني بان احلياة قد عادت من‬ ‫جديد‪ ،‬بعد شتاء بلدنا الصقيعي اجلارح‪...‬‬ ‫اليوم وصلت إىل مغارة اإلنسان القديم يف يربود القريبة منا‪...‬‬ ‫فوجئت مبجموعة سواح أجانب يزورون املغارة‪...‬شابني وأربع صبايا‪.‬‬ ‫تكلمنا باإلنكليزية‪ ،‬وعرفت منهم بأهنم وافدون من الدامنارك‪.‬‬ ‫قالوا‪ :‬جئنا نزور التاريخ‪ ،‬حيث ولد التاريخ‪ .‬واسعدهم إنين خريج كلية التاريخ من جامعة دمشق‪.‬‬ ‫استضفت اجملموعة يف منزلنا يف النبك‪ ،‬ورحب أهلي هبم أي ترحيب‪ ،‬وأحيينا هلم سهرة لطيفة‪ ،‬حضرها أصدقائي‬ ‫واجلريان‪...‬‬ ‫يف اليوم التايل رافقت الطالب واريتهم ما اشاده الدامناركيون يف ال نبك يف اربعينات القرن املاضي‪ ،‬ومنها الكنيسة اإلجنيلية‪،‬‬ ‫واملستشفى الدامناركي‪ .‬واملدرسة الدامناركية‪...‬‬ ‫بعدها ذهبنا إىل دير مار موسى احلبشي والذي يعود تارخيه إىل ما قبل القرن الرابع‪ ...‬الكائن على جبل ال نبك الشرقي‪.‬‬ ‫فرح الطلبة عندما وجدوا أنفسهم يزورون دير رهبان وفيه واحدة من أقدم كنائس العامل‪ ،‬كذلك أسعدهم كثرياً بان الدير قدم هلم‬ ‫اإلقامة النظيفة واملرحية مع الطعام الشهي‪ ،‬وكل ذلك جماناً‪...‬‬

‫أفرح الطلبة كثرياً وجود مكتبة يف الدير‪ ،‬حتتوي املخطوطات والكتب التارخيية اليت صارعت الزمن لتبقى ناطقة‪.‬‬ ‫طلبوا مين مبحبة‪ ،‬أن أكون مرشدا ودليالً هلم نتنقل يف القلمون‪...‬‬ ‫زرنا عدداً من االديرة املوجودة يف املنطقة‪ ،‬ومنها دير مار اليان يف القريتني‪ ،‬ودير مار يعقوب املقطع يف قارة‪ ،‬والكنائس القدمية يف‬ ‫يربود‪ ،‬ومعلوال وصيدنايا واملعرة‪ ،‬وأيضاً كنيسة حنانيا يف دمشق ليت ال تزال تروي قصة زيارة القديس بولس عميد الكنيسة اليها‪.‬‬ ‫ومل نتمكن من زيارة األديرة العديدة املوزعة على أرض سورية بسبب قصر املدة احملددة لرحلتهم‪.‬‬ ‫وامللفت‪ ،‬مجيع هذه الكنائس واألديرة قريبة باملكان من بعضها البعض مما يدل على كثافة الوجود املسيحي يف سورية آنذاك‪...‬‬ ‫استكمل الطلبة دراستهم‪ ،‬وقرروا متابعة الرحلة إىل األردن وفلسطني‪ ،‬ملتابعة خمطط الطريق الدراسي‪.‬‬ ‫مت الوداع احلار بينهم وبني رهبان دير مار موسى‪ ،‬وكانت الدموع متأل مقلهم‪...‬‬ ‫وخاصة من عيين نينا وهي مغادرة الدير الذي أحبته لدرجة العشق‪.‬‬ ‫بينما كانت تنزل على الدرج الصخري‪ ،‬تعاود النظر إىل اخللف وتلتقط الصور للدير‪ ،‬فجأة تفركشت حبجر‪ ،‬ووقعت وتدحرجت‬ ‫وعجزت على النهوض‪ ،‬وهي تصرخ من األمل‪...‬‬ ‫ساعدناها ومحلناها إىل السيارة يف أسفل الوادي‪ ،‬إىل مشفى القلمون‪( .‬مستشفى الدامناركي سابقاً)‪ .‬أظهرت صور االشعة‬ ‫كسوراً يف ساقها مما توجب اجراء عمل جراحي هلا‪ ،‬وتلبيس الساق بقالب من اجلبصني الصلب‪...‬قال الطبيب‪ :‬جيب أن ترتاح‬ ‫نينا ملدة شهر على األقل بدون حراك وحتت مراقبيت‪.‬‬ ‫أصاب اجملموعة اهلسترييا‪ ،‬كيف سيرتكون نينا يف ال نبك‪ ،‬ووقتهم ال يسمح هلم‪ ،‬وعليهم إجناز مهمتهم الدراسية‪ ،‬ووقت الرحلة‬ ‫كاد أن ينفذ ومن الذي سيبقى معها يف سورية‪ ،‬ألف سؤال وسؤال‪ ،‬وال جواب مقنع واحد‪...‬‬ ‫قالت أمي‪ ،‬اذهبوا أنتم‪ ،‬ن ينا ستبقى عندي يف البيت معززة مكرمة‪ ،‬وبعدما يسمح هلا الطبيب بالسفر‪ ،‬سنوصلها إىل املطار‪،‬‬ ‫أرجو أال حتملوا مهاً على االطالق‪...‬‬

‫خصصنا للمريضة غرفة خاصة‪ ،‬ووضعنا يف غرفتها جهاز تلفاز‪ ،‬وأيضا خط انرتنيت مفتوح لتتواصل مع أهلها‪ ،‬ومع زمالئها‬ ‫وجامعتها‪...‬‬ ‫نينا غري إهنا يف غاية اجلمال‪ ،‬عرفناها مبنتهى الرقة‪ ،‬واللطف‪ ،‬والروح الطيبة‪ ،‬ومجيعنا احببناها كثرياً‪.‬‬ ‫أنا بذلت كل طاقيت إلسعاد نينا‪ ،‬ومتابعة الدراسة معها‪ ،‬واحضار املراجع اخلاصة ألحباثها اليت تطلبها‪ ،‬وحتى اليت ال تطلبها‪...‬‬ ‫كانت نينا تصورني‪ ،‬وتصور أهلي مبوبايلها‪ ،‬وترسل الصور إىل أهلها يف الدامنارك‪ ،‬وتطمئنهم عن حالتها‪ ،‬وكم هي سعيدة مع هذه‬ ‫العائلة الطيبة‪.‬‬ ‫أهل نينا أرسلوا لنا مبلغاً كبرياً من املال هدية لقاء استضافتنا ابنتهم‪.‬‬ ‫احلقيقة مل تكن اهلدية منتظرة وال مطلوبة‪ ،‬رغم فقرنا آنذاك‪ ،‬ألننا كنا نعترب الذي نفعله حمبة‪ ،‬وواجب إنساني علينا‪.‬‬ ‫والد نينا أستاذ جامعي يف كلية التاريخ يف جامعة كوبنهاجن‪ ،‬طلب من أبنته أن تسألين إذا كنت أرغب يف إمتام دراسيت يف‬ ‫الدامنارك‪ ،‬ألحصل على شهادة الدكتوراه يف التاريخ‪ ،‬من جامعة كوبنهاجن‪ ،‬رمبا سيوفر يل بعثة جمانية إلمتام دراسيت هناك‪.‬‬ ‫بالنسبة يل كان هذا جمرد حلم ال أجتاسر حتى أن أحلم به‪...‬طار صوابي هبذه اخلربية‪ ،‬وبسرعة الربق ترمجت أوراقي الثبوتية‬ ‫وأرسلتها‪...‬‬ ‫متاثلت نينا للشفاء‪ ،‬ودعناها يف املطار‪ ،‬ودموعنا مجيعا باحت حببنا هلا‪...‬‬ ‫حتقق قبويل يف جامعة كوبنهاغن‪ .‬سافرت ودموع أهلي أبت أن جتف‪...‬رغم سعادهتم لسعادتي‪.‬‬ ‫استقبلتين نينا وأهلها يف املطار‪ ،‬وأحست بأهنم حيملون يل الكثري من الود‪ ،‬وخاصة نينا كانت عيناها تفضحان سر قلبها‪...‬‬ ‫تابعنا أنا ونينا دراستنا‪ ،‬واستمريت أنا أساعدها يف احباثها حتى حان موعد مشروع خترجها يف اجلامعة‪...‬‬ ‫جنحت بتفوق‪ ،‬وهنأهتا اللجنة الفاحصة‪ ،‬وقالوا هلا تستحقني نيل اإلجازة يف التاريخ جبدارة‪ ،‬على هذه الدراسة املتقنة الشاملة‬ ‫واملوثقة‪.‬‬

‫تشكرت نينا اللجنة‪ ،‬وتشكرت كل الذين ساعدوها على إمتام دراستها‪ ،‬وقالت‪ :‬أخص بالذكر صديقي وأستاذي كمال السوري‪،‬‬ ‫وأشارت يل‪ ،‬وطلبت مين احلضور ألقف جبانبها على املنصة وقالت‪ :‬هذا هو سر جناحي‪ ،‬كمال هو الذي يستحق الشهادة‪،‬‬ ‫وروت هلم قصة وجودها يف سورية‪...‬بل قصة حبها الذي خبأته يف قلبها‪...‬ألهنا خشيت أن تعذبين إذا مل أمتكن من اللحاق‬ ‫هبا‪.‬‬ ‫أخذ كمال مكرب الصوت وقال‪ :‬أنا أحببتك‪ ،‬مذ رأيتك‪ ،‬وامتنى أن تقبلي أن أهديك قليب‪.‬‬ ‫قالت‪ :‬قلبك سيجعلين أسعد انسانة يف الوجود‪ ...‬لكن‬ ‫قليب مل أعد أملكه‪ ،‬أنتم من خطفتموه مين‪ ،‬أنت وأهلك يف سورية‪...‬أنا اآلن أهبك كل حياتي يا كمال‪ ،‬أنا عرفت احلب احلقيقي‬ ‫يف بالدكم‪ ...‬عرفت احلب هو العطاء بدون مقابل‪ ...‬أنتم علمتموني احلب احلقيقي‪...‬‬ ‫تزوجنا ونن نعيش قصة حب ال تنتهي صار أوالدنا يف املدارس‪ ،‬ونينا حتضر لنيل شهادة الدكتوراه يف تاريخ الشرق القديم‪.‬‬ ‫ونن نزور سورية‪ .‬نزور أهلي‪ ،‬ونينا تزور دير مار موسى احلبشي كل صيف‪ .‬أوالدنا يتعلمون العربية يف اللهجة النبكية‪.‬‬ ‫الكاتب‪ :‬عبده داود‬ ‫‪12.12.2022‬‬

‫‪Abdo Daoud‬‬ ‫‪- 10_1‬‬‫النصيب‬ ‫ذهبت أنا وزوجيت حتى نسجل ابننا يف روضة األطفال‪.‬‬ ‫سألين املدير عن اسم الطفل‪ :‬قلنا جورج‬ ‫اسم األم‪ :‬نتايل‬ ‫أسم األب‪ :‬حممد‬ ‫عرف املدير بأنين من سورية وأخذ يتكلم بالعربية وأصر أن يعرف قصة حضوري إىل هذه البلد البعيد عن العاصمة روما‪...‬‬ ‫ابتسمت ونظرت إىل زوجيت‪ ،‬وبدأت أروي قصيت باللغة اإليطالية‪...‬‬ ‫قلت‪ :‬كنت مسافراً يف القطار من روما إىل الشمال اإليطايل قاصدا العبور إىل النمسا‪ .‬ثم إىل املانيا‪ .‬تصادف وجود طلبة‬ ‫جامعيون معي يف مقصورة القطار‪ ،‬وأيضاً كانت هناك مسافرة حسناء‪ ،‬حتمل كتاب روميو وجولييت للكاتب وليم شكسبري‪...‬‬ ‫حترك القطار‪ ،‬وأخذ يتسارع‪...‬كنت أمتع نفسي مبناظر الطبيعة عرب نافذة املقصورة وأحياناَ‪ ،‬كنت أختلس النظر إىل الفتاة‬ ‫اجلميلة قباليت املأخوذة بالكامل يف كتاهبا‪...‬‬ ‫بعد حني‪ ،‬توقف القطار يف حمطة‪ ،‬ونزل العديد من الركاب ومن مجلتهم الطلبة الذين كانوا يف املقصورة‪ ،‬ما عدا احلسناء الغارقة يف‬ ‫كتاهبا‪...‬‬ ‫خف الضجيج كثريا يف القطار‪ ،‬وشيئا فشيئا حلت الظلمة خارجاً‪ ،‬وشعرت بامللل‪ ،‬والطريق إىل مقصدي ال يزال بعيداً‪ ،‬يلزمه‬ ‫ساعات للوصول‪...‬‬

‫أخذت أتنقل يف ممرات القطار‪ ،‬بعدها دخلت عربة املطعم‪ ،‬كان هناك العديد من املسافرين‪ ،‬ومكتبة فيها جمالت بكل اللغات عدا‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬اشرتيت جملة يف اللغة اإلنكليزية‪ ،‬اليت ال أجيدها كما جيب‪ ،‬لكنين اردت تسلية نفسي‪ ،‬دخلت احلسناء اليت معي يف‬ ‫املقصورة‪ ،‬إىل املطعم وال تزال حاملة كتاب روميو وجولييت معها‪ .‬وقصدت املشرب واحضرت فنجان قهوة‪ ،‬واخذت تبحث يف‬ ‫نظرها عن مكان جتلس فيه‪...‬‬ ‫كان يوجد كرسياً فارغاً جبانب طاوليت‪ ،‬أشرت هلا بيدي إليه‪ .‬ابتسمت وجاءت راضية وشكرتين بلغتها االيطالية‬ ‫رددت خبجل باإلنكليزية‪ ،‬آسف جدا أنا ال اعرف لغتكم لكن أعرف االنكليزية كلغة ثانية‪ .‬أراك تقرئني مسرحية شكسبري روميو‬ ‫وجولييت‪...‬‬ ‫ضحكت وقالت أنا اعشق هذه املسرحية‪ ...‬ألهنا حتكي قصة احلب احلقيقي‬ ‫دار بيننا حديث طويل حول املسرحيات واألدب وخصوصا عن السينما واملسرح‪ ،‬وقلنا سينما املنتجني شوهوا األعمال األدبية‬ ‫الرفيعة‪ ،‬ألن مههم انصر يف شباك التذاكر وإرادات الفلم‬ ‫وصلنا مدينة بولونيا‪ ،‬وكما تعرف استاذ‪ :‬كان علينا التوقف فيها ملدة ثالث ساعات‪ ،‬حتى يصل القطار املخصص لنقل املسافرين‬ ‫إىل الشمال اإليطايل‪...‬‬ ‫دخلنا إىل مقهى قريب‪ ،‬حتادثنا يف أمور كثرية‪ ،‬اخربتين‪ ،‬بأهنا ذاهبة إىل بادوا حتى تطمئن على أهلها‪ ،‬وهي تزورهم كلما‬ ‫سنحت هلا الفرصة لذلك‪...‬‬ ‫أخربهتا عن سورية وشرحت هلا عن احلرب الدائرة يف بالدي غري العادلة‪ ،‬اليت شردت ناسي‪ ،‬بأسلحة املوت اليت أحضروها‪،‬‬ ‫وقلت هلا أنا هارب من ميادين املوت هناك قاصدا املانيا‪ ،‬سافرت من سورية إىل ليبيا‪ ،‬ومنها إىل إيطاليا يف قوارب الفاجعة‬ ‫والغرق‪ ،‬ومنها إىل النمسا وإىل املانيا‪ ،‬األملان يستقبلون السوريني برحابة صدر بينما يف بالدي يذحبون الناس كما تذبح‬ ‫اخلراف‪...‬‬ ‫أحسست بأمل نتايل‪ ،‬وشاهدت دموعها تسيل على وجنتيها‪ ،‬لكنها قطرات ندى روت قليب العطش لكلمة حب‪ ،‬كلمة حنان تروي‬ ‫فؤادي اليابس من مرارة الوضع يف بالدي‬

‫وصلنا بادوفا‪ ،‬تصافحنا مودعني بعضنا البعض‪ ،‬قلت هلا كم أنا آسف بأن الرحلة انتهت‪ ،‬كانت من أحلى أيام عمري الذي جعلوه‬ ‫دراما مأساويا‪...‬‬ ‫قالت‪ :‬ما رأيك تأتي معي تزور أهلي ووالدي يوصلك إىل النمسا هو كثريا ما يذهب إىل هناك وحيداً يف سيارته‪...‬‬ ‫استقبلين أهلها حبفاوة ظننا منهم بأنين صديق أو خطيب ابنتهم‪ ،‬لكن عندما أخربهتم ابنتهم قصيت‪،‬‬ ‫قال أبوها لكنهم قالوا عندنا عرب وسائل اإلعالم‪ :‬بأهنم دعاة سالم‪ ،‬حيملون أغصان الزيتون رمز احملبة‪ ،‬إىل بالد الشام‪ ،‬حتى‬ ‫يقدمون لكم الربيع العربي ويعيدون احلضارة واجملد إىل بالدكم‪...‬‬ ‫يف اليوم التايل‪ :‬قالت يل نتايل رمبا متضي عندنا بعض الوقت والدي سيذهب إىل النمسا يف األيام الالحقة بعدما تنتهي اجازتي‬ ‫عندهم‪ ،‬ألنه مسرور حبضوري وهو مشتاق يل‪ ،‬وأهلي مصرين على بقائك عندنا ضيفا معززا مكرما‪ ....‬دخلت خمدعي‪،‬‬ ‫وسجدت وصليت شاكرا اهلل على هذه املساعدة غري املنتظرة‪ ،‬والبقاء مع هذه احلسناء اليت سكنت أوصايل‪...‬‬ ‫يف اليوم التايل خاطب األب ابنته وقال هلا‪ :‬خذي سيارتي أذهيب أنت وحممد وأريه املدينة‪...‬‬ ‫من أهم األماكن التارخيية املعروفة يف بادوفا أو بادوا كما يلفظها اإليطاليون‪ .‬كنيسة القديس انطونيو تلميذ القديس فرنسيس‬ ‫األسيزي‪ ،‬وهذه كنيسة يزورها السائحون من مجيع أناء العامل ألهنا مركز يعيد قصة املاضي لتحيا يف احلاضر‪...‬‬ ‫رفض حممد الدخول إىل الكنيسة وقال‪ :‬أنا مسلم ال حيق يل الدخول إىل مقدسات مسيحية‪...‬‬ ‫قالت نتايل‪ :‬من أين تأتي مبثل هذا التحريم‪ ،‬هذه دار اهلل‪ ،‬واجلامع أيضا هو دار اهلل‪ ،‬أليس اهلل واحداً‪ ،‬أم اهلل عندكم خمتلف عن‬ ‫اهلل عندنا‪...‬‬ ‫نن البشر‪ ،‬جعلنا اهلل الواحد ألف إله‪ ...‬قد خنتلف يف طرق العبادات والطقوس لكننا مجيعا نصلي لذات القدرة اخلالقة هلذا‬ ‫الكون الواسع الذي ال حدود له‪...‬‬ ‫بعدما خرجنا من الكنيسة‪ ،‬قبلتين وقالت هذه قبلة النعمة املقدسة‪...‬‬ ‫بالنسبة يل كانت تلك القبلة اليت أشعلت كياني وأججت كل مشاعري‪...‬‬

‫صرنا كل صباح نزور بلدا أو مكانا سياحيا‪ ،‬وأنا يف غاية الفرح هبذه الرفقة الرائعة اليت كانت تتمركز يف كياني وفكري‪ .‬ناهيك‬ ‫عن تلك املناظر اليت تسلب لب اإلنسان‪...‬‬ ‫يف هناية األسبوع‪ ،‬اعتذرت نتايل بأهنا ستعود إىل عملها يف روما‪...‬‬ ‫أوصلها أبوها إىل حمطة القطارات وأنا كنت معهم‪.‬‬ ‫قبل أن تصعد هي إىل القطار‪ ،‬غمرتين وقبلتين حبرارة وأجهشت بالبكاء وصعدت إىل القطار وعادت وقبلتين ثانية‪...‬‬ ‫قال ابوها مبا معناه‪ :‬أخطب البنتك وال ختطب البنك‪ ،‬وسألين‪:‬‬ ‫يا حممد هل أنت حتب نتايل وتريدها زوجة لك؟‬ ‫قلت هذا حلم ال أقدر أن أحلم به‪...‬‬ ‫قال األب آمرا‪ :‬نتايل أعيدي حقائبك للسيارة لن تذهيب بعد اليوم إىل أي مكان‪ ،‬ستكونني مع زوجك وبيتك‪ ،‬حممد سيعمل معي‬ ‫يف جتارة احلرير الطبيعي الذي نضره من النمسا ونصنعه يف إيطاليا‪...‬‬ ‫تزوجنا يف كنيسة القديس أنطونيو‪ ،‬ورزقنا اهلل بابننا جورج‪ ،‬وولد آخر قادم على الطريق‪ ...‬إىل اللقاء‬ ‫الكاتب‪ :‬عبده داود‬ ‫كانون أول ‪2022‬‬

‫‪Ahmed Ninia‬‬ ‫‪- 11_1‬‬‫الثلم األكرب‬ ‫إذا مل نغري من أنفسنا ‪ ،‬أكيد ‪ ،‬لن يأبه بنا أحد وسنكون غري معروفني ‪ ..‬فنحن ال نلم بعامل اخر ‪ ..‬مثايل ‪ ..‬ولكن إذا مل جند‬ ‫ما نفكر فيه ‪ ،‬لنخرت ألنفسنا عاملا سيء جدًا لنتوقف عن اهلروب إىل الوراء ‪ ..‬فليس ممنوعا علينا القيام باستدارة حول أنفسنا‬ ‫ليفهم غرينا أننا لسنا أغبياء كما يعتقدون ‪ ..‬وأننا فقط مقتنعون بوجود آفاق جديدة ستفتح بعد حني ‪ ..‬لكن إقرار النتائج‬ ‫السيئة للطالب والفالحني واملهنيني ‪ ..‬سيسمح والشك ببدء عصر جديد ‪ ..‬إهنا فرتات تركيز لألنا الواعية الفائضة يف غزو‬ ‫النخب السلبية من عامة الناس والتقليل من شأهنم ‪ ..‬نعم ‪ ،‬إهنا فرتة جين غري الئق لثمار اإلثراء الفاحش وجلب إدانة حقيقية‬ ‫ألنفسهم فقط ‪ ..‬بل إهنا فرتة قامتة يف التاريخ جيب عليها أن ختتفي مع ظالل إرث األجيال السابقة ‪..‬‬ ‫ال يهم متى سننجح يف تكوين اجملتمع الذي نلم به ‪ ..‬اجملتمع الذي سنغين فيه بطريقتنا اخلاصة وليس مبزاج اآلخرين ‪..‬‬ ‫يتطلّب صربنا صرب أقدام مجال فوق رمال الصحراء ‪ ..‬أو صرب طفل يتأمل من شوكة عالقة يف كعبه ‪ ..‬أو مريض جائع يشكو من‬ ‫أصوات وحوش تزأر قرب فمه الصامت ‪ ..‬ينبغي إذن أن نبحث كل يوم عن رائحة خيط يربط بني صرخة أعيننا وهيمنة األلوان‬ ‫احمليطة بنا ‪ ..‬فال أحد منا نن املقهورين يريد أن يتظاهر كما يبزغ اجلبل يف أغاني الرعاة ‪ ..‬نن نبحث فقط عن رذاذ حليب‬ ‫يف هالة الصباح ‪ ..‬أو نبحث عن طريق سحري يف فجوة الكهوف ‪ ..‬ونتوق إىل بيت مسيك خوفا من هجوم الكثبان الرملية‬ ‫على بيوتنا ‪ ..‬فنحن لسنا إال أطفال يبكون أمام خندق أعشاب وراء باب مسدود ‪ ..‬ومما الشك فيه ‪ ،‬أن رجاال من املستقبل‬ ‫سيهرعون إلينا بني إمياءات احلجارة ورفرفة أجنحة الواحات لتهبط علينا توابل تسمم رياح األرض احلارقة ونفوز باجلنات النعيم‬ ‫‪..‬‬ ‫أمحد انعنيعة‬

‫‪Ahmed Ninia‬‬ ‫‪- 12_1‬‬‫أكاذيب الصغار‬ ‫أحلم دائمًا مبستقبل قريب بني بادييت وحاضرتك ‪ ..‬ألعيش أمجل القصص اليت أحبها بال حدود معك ‪ ..‬سألقي أمامك قصيدة‬ ‫يف حبر الصمت ‪ ..‬ويف ضباب أفكاري الكثيفة ‪ ،‬سأمسعك كلمات صمتك ‪ ..‬أمسعك صراخ قلب أشعر بنبضه ‪ ..‬قلب‬ ‫قضت عليه هذه احلروب املظلمة ‪ ..‬أمواج بنادق آلية ‪ ..‬قلق متزايد يرهب أرواحنا ‪ ..‬ميحو كل ذكرياتنا ‪ ..‬يفصل بيننا‬ ‫‪ ..‬ويقلب عاملنا رأسًا على عقب ‪..‬‬ ‫سأقف هنا ‪ ..‬بعيدًا جدًا عنك ‪ ..‬قريبا جدًا منك ‪ ..‬أيام وليايل ‪ ..‬سيأتي مسائي ويغرب قمرك عن احلي ‪ ..‬وستحن‬ ‫جنوم هذه السماء املظلمة إىل كل أضوائك ‪ ..‬سيشتاق سريري البارد اليك وهو حيلم بلون شواطئك ‪ ..‬سأجوب كل الطرقات‬ ‫ألحبث عن رغبات متكنين من التجوال على قمم حبك املرتفعة ‪ ..‬ألحتد معك يف دوار كما تتحد أمواج حميط تغرق يف ملذات‬ ‫الذات‬ ‫بال حدود ‪..‬‬ ‫لكن‪ ،‬ال شيء بعد اآلن ‪ ..‬كل طيور النورس تبكي يف األفق ‪ ..‬سأدع مشسي تصفر وحتمر بشغفنا ألغاني احلب والثورة كما‬ ‫كانت عليه باألمس ‪ ..‬وسأسقي قلبك بكتاباتي احلاملة فقط وأنا أقدم لك أمجل قصائد احلب الرشيقة اليت كتبتها يف األمس‬ ‫حبروف ال زالت تسمح لنا بزراعة أخصب ما لدينا من بذور ‪ ..‬لكن دون جدوى ‪..‬‬ ‫أمحد انعنيعة‬

‫‪Ahmed Ninia‬‬ ‫‪- 13_1‬‬‫يوتوبيا الكتابة‬ ‫أزيح قلمي برفق حتى ال أكسر صمت آمايل بسبب تأرجح كلماتي الواحدة بعد األخرى ‪.‬‬ ‫أحتدث هبدوء إىل صفحيت املوالية ألكشف النقاب عن كل ما خياجلين من يوتوبيا تطري فوق الكلمات لتوضيح مشاعري ‪ ..‬ال‬ ‫أنتظر مقابال من أحد ‪ ..‬أريد فقط أن أكشف عما أفكر فيه ‪ ..‬فورقيت وقلمي مها صديقان يل ورفيقان مالزمان يل ‪ ..‬وأما‬ ‫الكتابة فهي ليست إال عالجا يرحيين من الغضب الروتيين ‪ ..‬أخدش أوراقي لتكشف عن نفسي ‪ ..‬خترجين مما أفكر فيه ‪..‬‬ ‫وتتالشى جروح النفس على مدى السطور املكتوبة ‪..‬‬ ‫ترتنح الكتابة حتت قلمي حني تغرورق عيناي غضبا ‪ ..‬فتقفز احلرية إىل قليب بكل لطف لتخلصين من غباء احمليط ‪ ..‬ترحيين من‬ ‫كل جهله ويعم السالم بيننا ‪..‬‬ ‫إن أسطورتي هي أن أؤمن بالسعادة يف جمتمع قاس ‪ ..‬وصحيفيت هي أن أؤمن بيوتوبيا واقعية تشهد عليها يداي ‪..‬‬ ‫أمحد انعنيعة‬

‫‪Alfateh Meeka‬‬ ‫‪- 14_1‬‬‫رجل ملقى على قارعة الطريق‬ ‫____الكاتب الفاتح ميكا السودان‬ ‫اتسعت حدقتاه من فرط الذهول‪... .‬‬ ‫عيناه كانتا مثبتتني ومفتوحتني على برميل النفايات احملتشد بالذباب‪.. .‬ومبجموعة من االطفال يف عراك مميت‪....‬‬ ‫تالحم وحشي‪..‬وسباق حمموم‪ !...‬خيوضون يف أحشاء الربميل القذرة ‪..‬ويتصارعون على الفتات وما تتجشأه املطاعم‬ ‫احمليطة بالشارع‪!..‬‬ ‫كانوا متشاهبني يف الفقر‪..‬والقهر‪..‬واجلوع‪. .‬والبؤس‪....‬تتطاير من أفواههم اجلائعة االلفاظ النابية يف سخط وضجر‪!....‬‬ ‫أطفال من كل القبائل‪ ....‬بلون الزبد ‪..‬بلون الفحم‪..‬بلون القطن ‪..‬بلون اللنب الفاسد ‪..‬أجسادهم النحيلة استمدت صالبتها‬ ‫من الشمس واهلجري‪. .‬والنوم يف جماري املياه‪. .‬وباطن االرض مع احلشرات واحليوانات الضالة فأكتسبت مناعة مذهلة‪!!!..‬‬ ‫( من قصيت رجل ملقى على قارعة الطريق‪. .‬جمموعة إمرأة مثرية للشفقة )‬

‫الفاتح ميكا ‪[email protected]‬‬

‫‪Ayman Fawzy Mahmoud‬‬ ‫‪- 15_1‬‬‫قصة قصرية‪ :‬القتال يف معركة منتهية‬ ‫بني التالل والرمال والدشم القبيحة اليت لونتها الدماء واحلروق وقرحتها رغم شدهتا الشمس‪ ،‬بعض اجلنود اليائسني يستمرون يف‬ ‫التمركز يف خندق خلف اخلطوط األمامية للقتال‪ ،‬أصاهبم اإلعياء والتعب والوهن من قلة املأونة وطول القتال‪ ،‬فها هو الشهر الثاني‬ ‫هلذا التمركز يف اخلطوط الدفاعية للقوات ميضي عليهم و قد إنقطعت عنهم اإلمدادات فيعيشون على ما تبقى من املخزون من‬ ‫مؤن وذخرية‪.‬‬ ‫حتى جهاز الالسلكي الذي كان يعتمدون عليه يف االتصال بالقيادة أصابته شظية من قنبلة قبل عدة أيام‪ ،‬ولكنهم و منذ ذلك‬ ‫الوقت مل يسمعوا طلقة نار واحدةً أطلقت يف اي اجتاه من خطوط اهلجوم للعدو املتاخم غري بعيد الذين إعتادوا املناوشة بإطالق‬ ‫نريان حتى ولو بغري هدف إلعالن وجودهم وأن املعارك مازالت مستمرة‪.‬‬ ‫مع كل هذا اإلرهاق و القتل واملوت الذي يشهدونه‪ ،‬هاهم يصلون كل يوم لتطول مدة هذا الصمت الناري ولكن هذا ليس من‬ ‫الطبيعي أن يطول التوقف عن إطالق النار فقط‪ ،‬بل أهنم ال يلحظون اي حركة على الطرف األخر من اخلطوط األمامية من متركز‬ ‫العدو فاخلنادق والبنادق كتوم إىل حد السكون‪.‬‬ ‫يستلقون على جنبات اخلندق يقبضون على أسلحتهم كتمسكهم باحلياة‪ ،‬فكل رصاصة بالنسبة لكل واحد منهم هي فرصة حلياة‬ ‫اطول وطوق جناة من موت حمقق‪ ،‬وسط كل هذا املوت املستمر و سقوط اجلنود كالذباب بطلقات احد اجلانبني‪ ،‬كثري من‬ ‫املصابني ينتشرون يف كل مكان‪ ،‬ينتظرون التعايف الستكمال املعارك أو اإلخالء و الرجوع جبروحهم إىل الوطن الثاكل‪ ،‬جراح قتلت‬ ‫البعض وأعطت البعض اآلخر فرصة للحياة حتى و لو فقد عيناً أو رجالً أو زراعاً‪ ،‬عودة اإلنكسار حاملني معهم ذكريات الدم‬ ‫والرمال‪.‬‬

‫يتبادلون األحاديث عن ما خلفوه يف الوطن من زوجات واطفال واصدقاء وآباء وامهات‪ ،‬يستعرضون بعض الذكريات والصور يف‬ ‫حافظات نقودهم الفارغة املتهالكة إال من خطابات أو صورة عائلية و هم ما بني إبتسامة ودمعة من ذكريات املاضي القريب‬ ‫حيث كانوا يهنأون باحلياة وسط ذويهم‪ ،‬كل يف حياته اخلاصة بال رصاصات أو دانات املدافع‪ ،‬يتمتعون باخلبز والسرير واألحضان‬ ‫الدافئة‪.‬‬ ‫حديث ال ينقطع بغري حلظات الصمت عندما تنطق البنادق عن أمل يف إنتهاء احلرب أو الفوز يف معركة تعطيهم األمل يف عمر أطول‬ ‫ملواجهة أخرى‪ ،‬وقد إنطلق عنصران من العناصر اإلستخرباتية إلستطالع األمر قبل يومني ‪ ،‬فمن الغريب أن هتدأ كل البنادق‬ ‫وتسكن كل احلركات على خطوط العدو لثالثة أيام وقد إنقطعت عنهم املاونة وبدأت تنفذ كل خمزوناهتم من الطعام و العتاد‪.‬‬ ‫اليأس ينهش تفكريهم ويستويل التعب و روح االستسالم علي كل هذه البنادق يف اخلندق املعتم وقد علت هذا املوقع سحابات‬ ‫من الدخان األسود جراء القصف واإلحرتاق فال تكاد الشمس تطل عليهم من ثنية هذه السحابات إال حني الشروق و الغروب يف‬ ‫األفق البعيد وكأهنا تلقي عليهم بعض تعويذات األمل صباحاً وترمي عليهم بظالل الغروب آخر النهار‪.‬‬ ‫يظهر شبحان من خالل الغيوم والدخان فيتاهب بعض اجلنود ملواجهة أي هتديد حمتمل إال أهنم يستطيعون متيزهم من اللباس‬ ‫واللغة و هم يلتقطون أنفاسهم بالكاد‪ ،‬حتى يستطيعون أخبارهم يف صوت جيمع بني اإلهناك والفرحة " لقد إنتهت احلرب منذ ثالثة‬ ‫أيام وانسحبت كل خطوط العدو"‬ ‫أمين فوزي‬

‫‪Ayman Fawzy Mahmoud‬‬ ‫‪- 16_1‬‬‫لقمة عيش ‪٢‬‬ ‫يف الساعات األوىل من شروق مشس هذا اليوم الشتوي و الطقس ليس بالربد القارس ولكن الشمس مل تعلن عن شروق كامل‬ ‫فمازالت حتجبها بعض السحب الداكنة‪ ،‬زوجان يف مقتبل العمر‪ ،‬رثا الثياب وما هو إال إنعكاس عملها و هو مجع املخلفات‬ ‫الصاحلة للتدوير من صناديق القمامة وليس انعكاساً للفقر أو الغنى فهو من األعمال املرحبة جداً يف هذه األيام وكذلك من األنشطة‬ ‫ذات الفائدة املادية العالية بدون اي رأس مال‪.‬‬ ‫يلتقطون كل الزجاجات البالستيكية وصناديق الكارتون وهو ينظمها بشكل جيد حتى يستطيع اخذ اكرب قدر من املخلفات بكل‬ ‫أشكاهلا من معادن وبالستك وزجاج وغريه مما يستطيع بيده أو االستفادة منه فينظمها كل صنف على حدة‪.‬‬ ‫تلتفت الزوجة بني فينة وأخرى إىل طفلٍ صغري‪ ،‬مل يتعدي الثالث سنوات ميشي خلف عربة املخلفات اخلاصة هبم ‪ ،‬حسن نظيف‬ ‫الثياب ينتعل شبشباً صغرياً‪ ،‬يلهو بلعبة صغرية يف يده‪ ،‬وكلما تنبه لنظرهتا إبتسم هلا إبتسامة رقيقة مجيلة وكأنه يبثها الصرب على‬ ‫التعب من أجل طفولته الربيئة‪ ،‬فهاهم الصبيان األكرب منه سناً يعملون مبهنة أهلهم وهي من الربح ما جيعلهم حيرصون على إستكمال‬ ‫مسرية العمل هبذا اجملال رغم الثراء الذي يصل البعض إليه من هذا العمل‪ ،‬وهو جمتمع مغلق على نفسه ال يعرف غري بيع الال شيء‬ ‫وإعادة كثري من املخلفات إىل احلياة يف مصانع التدوير وإعادة التصنيع‪.‬‬ ‫تتحرك العربة فرتكب الزوجة على اجلانب األمين بينما يبدأ محار هزيل‪ ،‬صغري اجلسم غري نظيف بقدر إتساخ مالبسهم بالتحرك‬ ‫ببطأٍ لألمام صعوداً‪ ،‬فينطلق األب للخلف ليلتقط إبنه يف عجلة من على األرض فينظر إليه الطفل هبدوءٍ وتنفرج شفتاه عن‬ ‫إبتسامة ثم ضحكة وابوه يطبع قبلة طويلة على رقبته‪ ،‬يضمه إىل صدره وينطلق لوضعه بينهما على وسادة قدمية على "العريش"‬

‫وهو مكان اجللوس من العربة "الكارو" ذات الصندوق اخلشيب اململوء باالكياس املتنوعة املصنوعة من بالستك "الشكاير" وقد‬ ‫علق بعض األغراض من حقائب قدمية ومالبس ذات ألوان زاهية وكأهنا بعض الزينة هلذه العربة‪.‬‬ ‫ض غامرة هبذا اجلو العائلي‬ ‫ينطلقون يف هدؤٍ ومها يداعبان طفلهما فيضحك يف صخب لريسم على وجهيهما املتسخني إبتسامة ر ً‬ ‫برغم هذه احلياة الصعبة‪ ،‬يتضاحكون بقدر املسافة بني صندوق القمامة والصندوق الذي يليه يف نفس الشارع على ناحية اليمني‪،‬‬ ‫فيرتكون الطفل يف مكانه و ينبهون عليه بعدم التحرك حتى ال يقع‪ ،‬ومرة أخرى يسعون إىل ذاك الصندوق سعياً وراء لقمة العيش‬ ‫والكفاح من أجل احلياة‪.‬‬ ‫أمين فوزي‬

‫‪Ayman Fawzy Mahmoud‬‬ ‫‪- 17_1‬‬‫لقمة عيش ‪٢‬‬ ‫يف الساعات األوىل من شروق مشس هذا اليوم الشتوي و الطقس ليس بالربد القارص ولكن الشمس مل تعلن عن شروق كامل‬ ‫فنازالت حتجبها بعض السحب الداكنة‪ ،‬زوجان يف مقتبل العمر‪ ،‬رثا الثياب وما هو إال إنعكاس عملها و هو مجع املخلفات‬ ‫الصاحلة للتصوير من صناديق القمامة وليس انعكاساً للفقر أو الغنى فهو من األعمال املرحبة جداً يف هذه األيام وكذلك من األنشطة‬ ‫ذات الفائدة املادية العالية بدون اي رأس مال‪.‬‬ ‫يلتقطون كل الزجاجات البالستيكية وصناديق الكارتون وهو ينظمها بشكل جيد حتى يستطيع اخذ اكرب قدر من املخلفات بكل‬ ‫أشكاهلا من معادن وبالستك وزجاج وغريه مما يستطيع بيده أو االستفادة منه فينظمها كل صنف على حدة‪.‬‬ ‫تلتفت الزوجة بني فينة وأخرى إىل طفلٍ صغري‪ ،‬مل يتعدي الثالث سنوات ميشي خلف عربة املخلفات اخلاصة هبم ‪ ،‬حسن نظيف‬ ‫الثياب ينتعل شبشباً صغرياً‪ ،‬يلهو بلعبة صغرية يف يده‪ ،‬وكلما تنبه لنظرهتا إبتسم هلا إبتسامة رقيقة مجيلة وكأنه يبثها الصرب على‬ ‫التعب من أجل طفولته الربيئة‪ ،‬فهاهم الصبيان األكرب منه سناً يعملون مبهنة أهلهم وهي من الربح ما جيعلهم حيرصون على إستكمال‬ ‫مسرية العمل هبذا اجملال رغم الثراء الذي يصل البعض إليه من هذا العمل‪ ،‬وهو جمتمع مغلق على نفسه ال يعرف غري بيع الال شيء‬ ‫وإعادة كثري من املخلفات إىل احلياة يف مصانع التدوير وإعادة التصنيع‪.‬‬ ‫تتحرك العربة فرتكب الزوجة على اجلانب األمين بينما يبدأ محار هزيل‪ ،‬صغري اجلسم غري نظيف بقدر إتساخ مالبسهم بالتحرك‬ ‫ببطأٍ لألمام صعوداً‪ ،‬فينطلق األب للخلف ليلتقط إبنه يف عجلة من على األرض فينظر إليه الطفل هبدوءٍ وتنفرج شفتاه عن‬ ‫إبتسامة ثم ضحكة وابوه يطبع قبلة طويلة على رقبته‪ ،‬يضمه إىل صدره وينطلق لوضعه بينهما على وسادة قدمية على "العريش"‬

‫وهو مكان اجللوس من العربة "الكارو" ذات الصندوق اخلشيب اململوء باالكياس املتنوعة املصنوعة من بالستك "الشكاير" وقد‬ ‫علق بعض األغراض من حقائب قدمية ومالبس ذات ألوان زاهية وكأهنا بعض الزينة هلذه العربة‪.‬‬ ‫ض غامرة هبذا اجلو العائلي‬ ‫ينطلقون يف هدؤٍ ومها يداعبان طفلهما فيضحك يف صخب لريسم على وجهيهما املتسخني إبتسامة ر ً‬ ‫برغم هذه احلياة الصعبة‪ ،‬يتضاحكون بقدر املسافة بني صندوق القمامة والصندوق الذي يليه يف نفس الشارع على ناحية اليمني‪،‬‬ ‫فيرتكون الطفل يف مكانه و ينبهون عليه بعدم التحرك حتى ال يقع‪ ،‬ومرة أخرى يسعون إىل ذاك الصندوق سعياً وراء لقمة العيش‬ ‫والكفاح من أجل احلياة‪.‬‬ ‫أمين فوزي‬

‫‪Emad Abozed‬‬ ‫‪- 18_1‬‬‫سعد وأحالم السعد‬ ‫قصة قصرية ‪ /‬عماد أبوزيد‬ ‫(مانشت) عريض باللون األمحر يف صدر الصفحة األوىل لصحيفة حمليَّة تصدر يف حمافظته اليت تقع جنوب مصر‪ ،‬حَتمًا شدَّ انتباه‬ ‫القرَّاء من الشباب هذا الصباح اخلريفي‪ ،‬التقَط الصحيفة وراحَ يُعيد قراءة اخلرب املرَّة بعد األخرى‪ ،‬ثم أخرَج جنيهًا وأعطاه لعَم‬ ‫حسن بائع الصُّحف‪.‬‬ ‫ "صباح الفل يا عم حسن"‪ ،‬وحترَّك خُطوات ملقهى الصحفيني مبيدان املديرية‪.‬‬‫ سعيد القهوجي‪" :‬صباح الفل يا أستاذ"‪" ،‬إيه األخبار النهار ده؟"‪.‬‬‫"قهوة الباشا يا وَلَد"‪.‬‬ ‫وضَع سعد فنجان القهوة جانبًا‪ ،‬وأعاد قراءة اخلرب ثالثة ورابعة وخامسة‪ ،‬أشعَل سيجارته‪ ،‬وسحَب ونفَث دُخَانَها نو اجلهة‬ ‫ض على الشباب بشرق النيل‪ ،‬ورحلة اليوم‬ ‫اليمنى‪ ،‬وأغْمَض عينه اليسرى‪ ،‬عاوَد قراءة اخلرب بصوت مرتفع هذه املرة‪ :‬توزيع أرا ٍ‬ ‫لزيارة األرض للراغبني‪ ،‬وعلى اجلانب اآلخر للصفحة صورة كبرية للوادي اليت تقع فيه األرض‪ ،‬رشَف سعد فنجان القهوة‪ ،‬وطوى‬ ‫الصحيفة ووضَعها جانبًا‪ ،‬واتَّكأ على األريكة‪" :‬واهلل فكرة مش بطَّالة"‪.‬‬ ‫ويف صباح اليوم التايل استيقَظ سعد مبكرًا‪ ،‬حلَق ذَقنه على غري عادته! أخَذ فرشاة األسنان؛ ليستعمل معجونًا بلون أبيضَ‬ ‫اشرتاه باألمس من بقالة الشيخ حممد اجملاورة ملنزله‪ ،‬دلَّك أسنانه بقوَّة؛ حتى أدمى ِلثَته‪ ،‬ثم مَضْمَضَ فمَه وغسَل وجْهَه‪ ،‬وألقى‬ ‫عليه املِنْشَفة الزرقاء اخلاصة به‪ ،‬عاد لريتدي بنطالونه األبيض وقميصَه "النصف كُم"‪ ،‬الذي أهداه له أحد أقاربه العائد من اخلليج‬ ‫العام املاضي!‬

‫ضيِّق جدًّا‪ ،‬حَمَل بيده حقيبته اجللديَّة السوداء‪ ،‬بعد أن وضَع هبا مِلفًّا‬ ‫انتعَل حذاءَه األسود بعد أن قام بتلميعه بيده‪ ،‬وبدا له أنه َ‬ ‫بالستيكيًّا أصفرَ‪ ،‬به شهادة امليالد‪ ،‬وشهادة الليسانس‪ ،‬واخلدمة العسكرية‪ ،‬وصورة "جدته زاهية"‪ ،‬اليت يَتبارَك هبا وقد مضى‬ ‫صبِر‪ ،‬ستُفتح لك أبواب السعد"‪.‬‬ ‫عليها أكثر من ثالثني عامًا‪ ،‬تذكَّر مقولتها الشهرية له‪" :‬أنت طيِّب يا سعد‪ ،‬وربنا ها يكرمك‪ ،‬ا ْ‬ ‫خرَج من املنزل واستنشَق اهلواء النقيَّ من اخلالء الواسع أمام منزله‪ ،‬وشَعَر بأنه يف يوم عيد‪ ،‬أتاه خاطر من بعيد‪ :‬ما الذي يدفعك‬ ‫يا سعد ألن تدفنَ نفسك يف الصحراء؟ فريد على خاطره املُتعب‪ :‬وماذا أنتظر وقد ختطَّى سنِّي األربعني؟‬ ‫ضحِك‬ ‫ضحِك سعد‪ :‬آه البلد‪ ،‬ثم َ‬ ‫يأتيه خاطره مرة أخرى‪ :‬يا سعد‪ ،‬نَعرفك جيِّدًا‪ ،‬أنت كاتب وصحفي‪ ،‬والبلد حباجة إليك‪َ ،‬‬ ‫مرة أخرى‪ :‬كاتب وصحفي!‬ ‫وأنا أعمل بالصحافة منذ التسعينيَّات‪ ،‬لَم أستطِع دخول النقابة؛ حتى يعرتفَ بي اجملتمع أنين صحفي حقيقي‪.‬‬ ‫ضحِك سعد‪ :‬ال‪ ،‬بل أنا كاتب وصحفي‪ ،‬أقدِّم أفكاري‪ ،‬وال أقدِّم شيئًا‬ ‫البلد يا سعد هي الواقع‪ ،‬والواقع ال يَعرتف أنَّك صحفي‪َ ،‬‬ ‫آخر‪ ،‬هل أُكمل؟ نعم سأُكمل!‬ ‫وصَل سعد إىل الديوان العام بكورنيش النيل‪ ،‬نظَر إىل مكان التجمُّع‪ ،‬هناك بشر كثريون‪ ،‬يضحك سعد‪ :‬آه‪ ،‬قد يكون مجيع أبناء‬ ‫البلد هنا!‬ ‫حاوَل أن يقتحمَ الصفوف؛ ليكون يف املقدمة جبوار باب احملافظة‪.‬‬ ‫يرفع مَنْكِبيه‪ ،‬ويَستنشق بعضًا من اهلواء‪ ،‬يسمع قول أحدهم‪ :‬أهي فرصة ثينة‪ ،‬قد نذهب وال نعود؟! نن يف فصل اخلريف‪،‬‬ ‫واجلو شديد احلرارة‪ ،‬ملاذا؟ السماء زرقاء صافية‪ ،‬واألشجار حولنا صامتة ال تتحرَّك‪ ،‬كأهنا مرسومة‪.‬‬ ‫سنٌّ يَبيع املرطِّبات يَقِف جبانب عرَبته اليت يدفعها أمامه بصعوبة‪ ،‬ينادي يف املتجمهرين‬ ‫رجال أمْنٍ كثريون‪ ،‬ضوضاء‪ ،‬ورجل مُ ِ‬ ‫بصوت مرتفع‪" :‬اشرب املُثَلَّج‪ ،‬اشرب قبل ما تسافر‪ ،‬اشربوا قد تكون آخر فرصة لكم"‪.‬‬ ‫خياطبه شاب آخر‪ :‬وهل ستسافر معنا؟‬ ‫يلتفت نوه‪ :‬نعم‪ ،‬سأسافر معكم‪ ،‬ال بَيْع لكم يف الصحراء!‬

‫يضحك‪ :‬هناك لن يالحِقين رجال البلديَّة؛ ألهنم هنا ال يالحقون إالَّ الفقراء‪.‬‬ ‫يقرتب منه سعد‪ :‬ويشرتي "واحد متر هندي"‪ ،‬وآخر يشرتي كوب "عِرْق سوس"‪.‬‬ ‫هناك فتيات أيضًا‪ :‬وتلك الفتاة تبدو يف كامل أناقتها‪ ،‬هل سرتكب معنا األُتوبيس إىل الصحراء؟‬ ‫يبتعد سعد‪ :‬خشية أن يقال أهنا ختصُّه‪ ،‬أو تَجمعها به عالقة‪ ،‬يَكره سعد النساءَ كُرْهَه لنقابة الصحفيني اليت ال تَعرتف به‪.‬‬ ‫صوَرًا‬ ‫تقدَّم خُطوات نو جتمُّع كبريٍ‪ ،‬وابتعَد عن مصوِّري تلك القناة احملليَّة‪ ،‬وعن زُمالئه من مراسلي الصُّحف الذين كانوا يَلتقطون ُ‬ ‫هلذا الزحام الشديد‪.‬‬ ‫اعتلى املصوِّر املرافق للقنا ة الساعة النباتيَّة كبرية احلجم املوضوعة يف اجلهة الشرقية للديوان العام‪ ،‬داخل حديقة كبرية مُطِلَّة على‬ ‫هنر النيل‪ ،‬قال بصوت مرتفع‪:‬‬ ‫يا إخواني‪ ،‬سوف نقوم بإجراء حتقيق مصوَّر للقناة قبل وصول أتوبيسات احملافظة اليت تَنقلكم إىل أرض املشروع‪ ،‬نودُّ معرفة سبب‬ ‫إقبالكم على مغادرة املدن‪ ،‬وحتمُّل العيش يف الصحراء‪ ،‬وحتمُّل املَشقَّة والتعب‪.‬‬ ‫يواصل‪ :‬بعضكم ليس له عالقة بالزراعة‪ ،‬فما بالُ الفتيات املوجودات هنا؟‬ ‫تأتي إجابة أحدهم بصوت أجشَّ‪ :‬وهل وجَدنا غري ذلك؟ "ربنا يسرتها ويكونوا صادقني"!‬ ‫آخَرُ يقول‪ :‬تكون لعبه من أالعِيب احلزب احلاكم‪ ،‬واالنتخابات على األبواب‪.‬‬ ‫ثالث يضحك‪" :‬واملؤمترات شغَّالة"‪.‬‬ ‫ردَّ آخرُ بعصبيَّة‪:‬‬ ‫اسكتوا أيها األغبياء‪ ،‬قد يكون بيننا حماسيب أمْن الدولة!‬ ‫يبدو أنَّ املتجمهرين اقتنَعوا بفكرة املصوِّر الذي طلَب منهم السكوت‪ ،‬وأن يَصطفوا يف طابور يذكِّرهم بطابور اخلبز يف مُدهنم‬ ‫وقراهم‪.‬‬

‫شاب طويل القامة للمراسل‪:‬‬ ‫لقد ذهَب أخي أمحد إىل إيطاليا ‪ -‬مهاجرًا غري شرعي كما يقولون ‪ -‬عن طريق ليبيا‪ ،‬ولَم يَستكمل دراسته اجلامعية لظروفنا‬ ‫االجتماعيَّة‪ ،‬مضى عليه اآلن سبعُ سنوات‪ ،‬باألمس أرسل لنا صورة له وألسرته‪ ،‬وهو اآلن يَملِك منزالً وسيارة‪ ،‬وأصبَح رجالً‬ ‫حمرتمًا‪.‬‬ ‫قال سعد خماطبًا الشاب‪ :‬وأنت‪ ،‬ا ْلتَفَت نوه الشاب وقال حبسرةٍ ‪ -‬بينما املراسل يضع "املايك" قُرب فمه ‪" -‬أنا‪ ،‬أنا عامل زي‬ ‫ثور الساقية‪ ،‬عمَّال ألِف وأدور‪ ،‬وال أعرف من أين بدأتُ وال إىل أين أنتهي؟"‪.‬‬ ‫ضحِك امللتفون حول الشاب الذي اعرتاه اخلجل‪.‬‬ ‫ضحِك أحدهم قائالً‪ :‬على األقل ثور حمرتم يف بالده‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مواطن آخر‪ :‬تقدَّم إىل األمام وراحَ يتحدَّث ملراسل القناة بلُغة أقرب إىل الفصحى منها إىل العاميَّة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا شاعر أُنشد االرتقاء‬ ‫بالوطن‪ ،‬أجسِّد أفكاري وأحالمي على الورق‪ ،‬فقاطعَه أحد امللتفني‪ :‬نريد قصيدة يا شاعر‪ ،‬اعتلى الشاعر الرصيف املؤدِّي إىل‬ ‫باب الديوان العام‪ ،‬وأخرج ورقة بيضاء من جيبه‪ ،‬وراح يقرأ بصوت مرتفعٍ يكسوه احلزن‪:‬‬ ‫السَّمك يأكل السمك‬ ‫والقطه تأكل صغارَها‬ ‫وأنا وأنت يا حبييب‬ ‫تأكلنا احلِيتان‬ ‫ضحِك اجلمهور إالَّ سعد؛ فقد فَهِم ما يعنيه الشاعر‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قال رجل بعصبيَّة‪:‬‬ ‫آه‪ ،‬ومَن يَفهمك أيُّها الشاعر‪ ،‬نن يف عصر املال واالستثمار‪ ،‬استاء الشاعر عندما رأى الكثريين يَسخرون من شعره‪ ،‬فاجَأَه‪ ،‬أوْمَأ‬ ‫بيده نو فتاة كانت تَقتحم الصفوف وترتدي لباسًا غري مُحتشمٍ‪ ،‬تريد الدخول إىل مبنى احملافظة‪ ،‬صاح مُردِّدًا‪ :‬استثمار‪،‬‬ ‫استثمار‪.‬‬

‫اقرتَب مراسل القناة ‪ -‬ومعه بعض مندوبي الصحف ‪ -‬من شاب بدا بائسًا‪ ،‬وكان يردِّد‪ :‬متى تصل أتوبيسات احملافظة هذه‪.‬‬ ‫قال املراسل‪ :‬بعد قليل‪ ،‬مستعجل‪ ،‬نعم قد أحصل على مخسة أفدنة‪ ،‬يقولون‪ :‬ليس هناك حمسوبيَّات‪ ،‬الكل سواسية‪ ،‬مخسة‬ ‫أفْدِنة‪ ،‬و"مفيش" حمسوبيَّات؟ يَضحك ويضحك!‬ ‫يواصل‪ :‬ويقال‪ :‬إنَّ هناك إعانة أيضًا لكلِّ مَن يقع عليه االختيار ‪ 150‬جنيهًا شهريًّا؟‬ ‫قال املراسل وهو يُغيِّر شريط الكامريا‪ :‬يبدو أنك حضريٌّ من أبناء املدينة‪ ،‬نعم هذا سبب مأساتي‪ ،‬لَم أفهم‪ ،‬حصَلت على‬ ‫سحٍ للصرف الصحي مبجلس املدينة‪.‬‬ ‫ليسانس احلقوق‪ ،‬طرَقت كلَّ األبواب‪ ،‬أخريًا عَمِلت سائقًا لسيارة كَ ْ‬ ‫موظف يعين بعَقْد جيدَّد كلَّ عام‪ ،‬أنت تعرف حكاية العقود املؤقَّتة؟‬ ‫قال املراسل‪:‬‬ ‫أعرف‪ ،‬ولكن الرجاء االختصار‪ :‬ما الذي جعَلك ترتك الوظيفة‪ ،‬وتُفَضِّل اهلجرة إىل الصحراء؟‬ ‫أجاب الشاب‪:‬‬ ‫كنت أركب السيارة ‪ 12‬ساعة‪ ،‬أجوبُ خالهلا املدينة وضواحيها‪ ،‬أعود مبا مجعتُه لتفريغه يف أحد املصارف الزراعيَّة اليت تُروَى‬ ‫منها األراضي الزراعيَّة هبده املنطقة‪ ،‬وبعِلم رئيس املدينة وتوجيهاته‪.‬‬ ‫بعِلم اجمللس وبتوجيهاته‪ ،‬نعم‪.‬‬ ‫أكْمِل‪:‬‬ ‫يف إحدى املرَّات دخَلت لتفريغ الشحنة ‪ -‬من سوء حظي ‪ -‬ومعي زميل آخر‪ ،‬كنا على املصرف‪ ،‬رصَدتنا إحدى كامريات‬ ‫الفضائيَّات اليت كانت تسجِّل حلقة بضواحي املدينة ونن نقوم بتفريغ العبوة يف املصرف‪.‬‬ ‫صدَر احملافظ ‪ -‬يف مداخلة مع القناة على اهلواء للردِّ على املخالفة ‪ -‬قرارَه بفَصْلنا‬ ‫املراسل‪ :‬أُذيع التقرير يف املساء طبعًا‪ ،‬نعم‪ :‬وأ ْ‬ ‫من العمل وإهناء تعاقُدنا!‬

‫وأين رئيس املدينة؟ أليستْ هذه تعليماته وتوجيهاته؟!‬ ‫هذا ظلم‪.‬‬ ‫الشاب‪ :‬رئيس املدينة تضامَن مع احملافظ يف قراره‪ ،‬واعتربنا أننا املسؤولون عن إفساد الزراعة يف مصر؛ بسبب رَيِّها مبياه الصرف‬ ‫الصحي!‬ ‫ملاذا لَم تتظلَّم من القرار؟‬ ‫قلتُ لك‪ :‬الرئيس تضامَن مع احملافظ‪ ،‬أين أذهب أنا؟! ولكن هل تعتقد أنين سأحصل على األفدنة اخلمسة؟‬ ‫و ِلمَ ال؟ مُمكن!‬ ‫فتاة تُقبل من بعيد جبِلباهبا األسْود‪ ،‬تُعيد إصالح "طَرْحَتها املُوف"‪ ،‬بعد أن أفسَدها الزحام‪ ،‬وكانت تُرَدِّد بصوت مرتفع‪ :‬تتكالبون‬ ‫حتى على الكالم‪ ،‬وأين حقُّنا نن يف إبداء الرأي؟ نريد لصوتنا أن يالمِسَ مسامعهم‪ ،‬جتاوَزنا الثالثني‪ ،‬أصبحنا عوانسَ‪ ،‬فمَن‬ ‫املسؤول؟‬ ‫بينما هو يُشعل سيجارته‪ ،‬وجيلس على قالب حجري أبيض جبوار صور االسرتاحة املقابل للديوان العام من ناحية اجلنوب‪ ،‬اقرتَب‬ ‫منه صحفي آخر‪" :‬ممكن نأخذ من حضرتك كلمتني يف هذا التحقيق"؟ شعَر سعد بسعادة غامرة وهو يُصغي لكلمات الصحفي‬ ‫اليت بدَت أكثر هتذيبًا‪ ،‬أجاب وهو يضع رجله اليمنى على ساقه اليسرى‪:‬‬ ‫ تفضَّل‪.‬‬‫أراك متلهِّفًا للرحيل إىل الصحراء‪.‬‬ ‫طبعًا كغريي‪ ،‬ألَم تَنظر إىل هذا احلشد الكبري من العاطلني؟!‬ ‫‪ -‬وما الذي يدفعك لذلك؟‬

‫قال سعد وهو يَنفث دُخَان سيجارته على اجلانب األيسر‪ :‬أنا كاتب‪ ،‬وعَمِلت مراسالً للعديد من الصحف اليومية واألسبوعية‪،‬‬ ‫القوميَّة‪ ،‬واحلزبيَّة‪ ،‬واملستقلة‪ ،‬يل بعض األعمال األدبيَّة‪ ،‬لَم ترَ النور حتى اآلن‪ ،‬فَشِلت يف التعيني يف أيِّ جريدة‪ ،‬ليس ألجل املال‪،‬‬ ‫ولكن ألجْل احلصول على عضويَّة نقابة الصحفيني فقط‪.‬‬ ‫ تابَع سعد مسرتسالً‪ :‬هل أُكمل كالمي؟ ردَّ الصحفي وهو يُدني التسجيل منه‪ :‬تفضَّل فاليوم شديد احلرارة وأتوبيسات احملافظة‬‫قد تتأخَّر‪ ،‬أكمل‪ ،‬حتدَّث سعد وهو يف حالة اسرتخاء‪ :‬عندما كنت طفالً‪ ،‬كنت سعيدًا؛ ألنين لَم أفكر يف شيء كعادة األطفال‪،‬‬ ‫وأنا اآلن متعب جدًّا من التفكري يف كلِّ شيء كعادة الكبار‪ ،‬أُردِّد سؤاالً واحدًا‪ :‬إىل متى سنظلُّ هكذا‪ ،‬لقد وصَلنا إىل قمة‬ ‫الفساد؟!‬ ‫ظلم‪ ،‬واستبداد‪ ،‬وقهر‪ ،‬واملستقبل مظلم‪ ،‬األحالم تتالشى كانقشاع هذا السحاب يف يوم اخلريف‪.‬‬ ‫قاطعَه الصحفي‪:‬‬ ‫أستأذِنك‪ ،‬شعَر سعد بإحباط داخلي شديد‪ ،‬وقال خماطبًا الصحفي الذي توارى عن األنظار‪:‬‬ ‫نن معشرَ ال ُكتَّاب‪ ،‬نعطيكم الزُّبد‪.‬‬ ‫وراح يُكمل سيجارته وهو ميدُّ النظر وراء الصحفي‪.‬‬ ‫صوت من بعيد‪:‬‬ ‫ يا شباب األتوبيسات وصَلت‪.‬‬‫شاب آخر‪:‬‬ ‫"دي" أتوبيسات جامعة النهضة اخلاصة‪ ،‬آخر يقول‪ :‬جامعة النهضة‪ ،‬ومصانع األمسنت‪" ،‬منوت‪ ،‬منوت‪ ،‬ويَحيا االستثمار"!‬ ‫سرَت قشعريرة يف جسد سعد‪ ،‬وأمْسَك حقيبته اجللدية‪ ،‬ووقَف متوجِّهًا ناحية النيل‪ ،‬يرقُب األتوبيسات القادمة على كوبري‬ ‫النيل‪ ،‬فاجَأه‪ ،‬اقرتَب منه "توني" مبالبسه الرياضيَّة‪ ،‬وعلى شَفَتيه ابتسامة ال معنى هلا‪ ،‬سلَّمه ورقة صغرية‪ ،‬وانصرَف وسط‬ ‫الزحام‪ ،‬فتَح سعد الورقة‪ ،‬راح يتمعَّن يف حروفها‪ ،‬وينظر إىل مكتب احملافظ املُطِل على النيل بالطابق الثاني‪ ،‬ألقى ما تبقَّى من‬

‫سيجارته على األرض‪ ،‬أعاد قراءة الورقة مرة أخرى حبروفها الصغرية‪" :‬معلهش يأبو السعود‪ ،‬حركة احملافظني صدَرت‪ ،‬واحملافظ‬ ‫بيلملم أوراقه"‪.‬‬ ‫شعر سعد بانكسار داخلي‪ ،‬خليط من األلَم واملهانة وهو ينظر إىل أولئك الذين يرقبون قدومَ أتوبيسات احملافظة!‬

‫‪Fadwa El Mesbahi‬‬ ‫‪- 19_1‬‬‫عاصمة املوزمبيق‬ ‫قالت يل صديقيت آمال‪ _ :‬أتعلمني‪ ،‬إن فريدا ابن خاليت حيفظ عواصم العامل بأسره!‬ ‫كانت هذه اجلملة املقتضبة كفيلة بأن تفتح نقاشا ال ينتهي‪ ،‬وتثري عاصفة من السؤاالت‪ .‬مل يعد احلديث إال عن عواصم العامل‬ ‫ومواقع البلدان وحدودها وعمالهتا‪ ،‬تأسيا مبا كان يطرح من أسئلة يف حصة الوقت التالث‪.‬‬ ‫كان اإلعالمي حممد شيبان‪ ،‬جنم التلفزيون آنذاك‪ ،‬يقدم برناجمه الذي يبث يوم األحد‪ ،‬وقد واظبنا يف ذلك الزمن اجلميل على‬ ‫مشاهدته‪ ،‬إىل جانب التلفزة املدرسية وعمي ادريس و الرسوم املتحركة‪ ،‬فقرات رائقة معجبة يف روعتها‪ ،‬وقد اجتمع فيها ما‬ ‫تفرق يف غريها‪ .‬وحينما حط الربنامج رحاله يف العرائش‪ ،‬بدأت أصداؤه تتناهى إىل األمساع‪ ،‬إعدادية الكروبو وغريها‪ .‬يف‬ ‫إعدادية احلسن الثاني‪ ،‬أوكلت لألستاذ األملعي واملثقف اللوذعي السي (ع‪ .‬أ) مهمة انتقاء املشاركني‪ .‬وقد كان مصيبا حصيفا‬ ‫يف اصطفاء النوابه النوابغ الذين عال كعبهم يف القراءة واالطالع‪ ،‬وتيسر عليهم االرتقاء يف مدارج الفوز‪ ،‬ونن يف البلدية نتتبع‬ ‫األحداث عن كثب‪.‬‬ ‫انتظمنا يف الصف مثنى مثنى للدخول إىل القسم‪ ،‬بينما سي الـڭـوييز يتحدث إىل أحد اجلصاصني‪ .‬على احلائط املقابل للبوابة‬ ‫الرئيسية‪ ،‬علقت لوحة كبرية للمغرب‪ ،‬وعلى العامل أن يصنع قوالب اجلص للسالسل األطلسية‪ ،‬ويلصقها على اخلريطة فتزدان‬ ‫بتضاريسها البارزة‪ ،‬احملالة بطالئها اجلميل‪.‬‬ ‫إبان االسرتاحة‪ ،‬ذهب فريد‪ ،‬مصدرنا الشفاهي‪ ،‬لغسل يديه وشرب املاء من الصنبور املنصوب وسط الساحة‪ ،‬بعد أن أكل‬ ‫قطع الشوكوالته‪ ،‬ويبدو وقد أهنكته كثرة األسئلة‪ .‬منذ أن وشت به آمال وهو يستظهر العواصم‪ .‬فيكفي أن تذكر اسم البلد‬ ‫حتى جييبك بسرعة الربق‪ :‬كذا وكذا‬

‫كندا‪ :‬أوتاوا‬ ‫النرويج‪:‬‬

‫أوسلو‬

‫بوركينافاسو‪:‬‬ ‫مدغشقر‪:‬‬

‫واكادوكو‬ ‫تاناناريف‬

‫املوزمبيق‪ :‬ال جواب‬ ‫ثم نعيد الكرة يف املساء وحينما ينتهي الدوام نتعقبه فيستعرض العواصم‪ ،‬ويف املوزمبيق يقف محار الشيخ يف العقبة‪ .‬وهكذا‬ ‫دواليك وعلى مدى مدة ليست باليسرية‪ ،‬إىل أن أصابه امللل وصار يهرب منا ويتظاهر بانشغاله باللعب‪ ،‬بينما اختذ كل منا دفرتا‬ ‫أو البريتا ( مفكرة) وأخذنا نكابد من تضاعيف البحث‪ ،‬ندون البلدان والعواصم‪ ،‬واحلدود والعمالت‪ ،‬ونرسم الرايات ثم نرص‬ ‫على تلوينها‪.‬‬ ‫كان سي مولود األستاذ القادم من مدينة وجدة‪ ،‬بارعا يف تدريس العربية‪ ،‬حيث ال تنتهي احلصة إال وقد حفظنا الدرس‪ ،‬وال‬ ‫نقوم يف البيت إال بإجناز التمارين‪ .‬كان ينتقي من األشعار أحسنها‪ ،‬ومن النصوص أجودها‪ ،‬ثم يطلب منا تلخيصها وإلقاءها على‬ ‫غرار فين‪ .‬لكن حينما طرأت علينا قصة العواصم هذه‪ ،‬صرت مشغولة الذهن و طرحتين األنواء مطارحها‪ ،‬وسافرت على‬ ‫بساط الريح وركبت اخليال ووضعت رحلي حيثما اتفق يف قلب األدغال ومروج السفانا‪ .‬حسبتها وقد عمرها أناس قباح الطباع‬ ‫غريبو األطوار‪ ،‬أقوام تصاحب الضواري وتركب األفيال‪.‬‬ ‫ذات صباح‪ ،‬قال خالد حبماس وبنربة جادة‪:‬‬ ‫_ لقد وجدت منتخبات من خرائط العامل يف نسخة حديثة ملعجم الروس اشرتاها والدي‪ ،‬لكن ال ميكنين الوثوق هبا إطالقا‪.‬‬ ‫_ ملاذا؟‪ ،‬سألناه بصوت واحد‬ ‫_ ألنين وجدت خريطة فل‪.‬سطني وقد كتب عليها إ س را ئي ل‪ ،‬وقد غريوا أمساء املدن وومسوها بكلمات ع‪ .‬ب ر‪ .‬ية‪،‬‬ ‫كما ظهر خط أمحر بني مدينة إيفين وكلميم!‬

‫يف حفالت املدرسة‪ ،‬نقدم األغاني لسيدتنا األرض اليت هنيم حبا هبا ونفظ املونولوج الذي يتحدث بلسان حاهلا‪:‬‬ ‫أنا أمكم وأنتم أبنائي‪ ،‬أنا جدتكم وأنتم أحفادي‪ ،‬أنا أسطورة‪ ،‬أنا حكاية‪ ،‬أنا القصة اليت ضاع نصفها األول وبقي نصفها الثاني‪ ،‬أنا‬ ‫أوىل القبلتني وثالث احلرمني‪...‬‬ ‫و ( ف‪ .‬عميد) حياكي نزارا‪:‬‬ ‫يا قُدسُ‪ ،‬يا مدينة تفوح أنبياء‬ ‫ض والسماء‬ ‫يا أقصر الدروبِ بني األر ِ‬ ‫قبيل االستعدادات لعيد العرش‪ ،‬ويف حصة اكتشاف املواهب‪ ،‬ظهرت عندنا يف البلدية تلميذات بأمساء شهريات املطربات‪،‬‬ ‫فريوز‪ ،‬و أمسهان اليت أمتعتنا بنوبة مشس العشية‪ ،‬وأحسنت إحدى التلميذات بأداء " شوارع بريوت" ألميمة اخلليل‪ .‬أما أم كلثوم‬ ‫اليت تصغرنا بسنة‪ ،‬فقد نالت من وفري التقريظ ألهنا غنت نشيد" إنا حلفنا القسم أال خنون الوطن"‬ ‫عقبت بشرية مستنكرة‪ _ :‬إذن فلن نستعمل الروس بعد اليوم!‬ ‫وهكذا وقر يف قلوبنا إميان جازم بضرورة مقاطعة هذا املرجع الذي يطوي بني دفتيه معلومات مغلوطة‪ ،‬ونمي عقولنا من مهاويه‬ ‫وشططه!‬ ‫لكننا صرنا نسأل األساتذة والناس والباعة‪ ،‬مل يسلم املارة من إحلاحنا‪ ،‬حتى إن األستاذ ( م‪ .‬م‪ ) .‬قال يل حينما لقيته يوما قرب‬ ‫زنقة سور اإلشارة‪ ،‬وقد انفرجت أساريره وضحك مبلء شدقيه‪ :‬يف كل هذه املدة كان عليك أن تذهيب إىل املوزمبيق وتعودي‬ ‫مشيا على األقدام!‬ ‫كانت (مليكة ع‪ ) .‬جبانيب حينما سألت أستاذي سي مولود ‪ ،‬فصمت قليال ثم قال يل‪" :‬احبثي عن املعطيات األخرى‪ ،‬ومع‬ ‫الوقت ستأتي هذه املعلومة من تلقاء نفسها"‬ ‫هذه النصيحة الذهبية‪ ،‬اليت نطق هبا سي مولود بعفويته املعهودة‪ ،‬هي سر من أسرار البحث والتقصي‪ .‬إهنا ظاهرة‬ ‫"سريانديب" اليت تفتح هبا مغاليق األبواب وتفك األقفال يف العلوم واملعارف‪.‬‬

‫يف "املنجد يف اللغة واألعالم" لألب لويس معلوف اليسوعي‪ ،‬عثرنا على صور وخرائط‪ ،‬تظهر فيها العاصمة لورينزو ماركيز‪ ،‬إال أن‬ ‫أحد األطالس يشري إىل أنه بعد االستقالل سنة ‪ ،1975‬استبدل امسها ليصبح مابوتو‪.‬‬ ‫و زكت ثار نصيحته املسداة وصنيعته املهداة‪ ،‬وحدثت تلك احلظوة مع ( م‪ .‬ب) عبقري القسم الذي جبلت سجيته على‬ ‫الدرس والتحصيل‪ ،‬حينما كان يتصفح إحدى جمالت العربي‪ ،‬فوقع بصره على ملف وثائقي حديث عن دولة املوزمبيق‪ ،‬فأتانا‬ ‫بالنبأ اليقني‪.‬‬ ‫كان موسى بن بك تاجرا كبريا يقطع الصحاري والبحار‪ ،‬من عدن وحضرموت إىل حبر القلزم وحبر الروم‪ ،‬ثم يعرج جنوبا‪،‬‬ ‫يلحق يومه بأمسه ويضرب إىل البالد آباط اإلبل‪ ،‬أو يتوغل يف حبر العرب حيث تعبث به الرياح اهلوج‪ ،‬إىل أن رسى يوما يف‬ ‫الشواطئ اجلنوبية‪ .‬استقبله األهايل وانبهروا مبا معه من عطور وخبور‪ ،‬وخزف وعسل مصفى‪ ،‬وحنطة وزبيب‪ ،‬وصمغ ولبان‪،‬‬ ‫وحرير وأصواف‪ .‬موسى بن بيك رجل ذو أصل طيب ومعدن نفيس‪ ،‬كريم نابه الذكر منتبه اجلفن صارمه‪ ،‬متيقظ القلب نقيه‪.‬‬ ‫ارتفع عن النقائص وتنزه عن الصغائر‪ ،‬أول عربي مسلم وطأت قدمه تلك البالد فرأى يف أهلها من غياب الشرور وإظهار السرور‪،‬‬ ‫وأنزلوه منزال مباركا وجعلوه أمريا بعد أن ارتضوا اإلسالم دينا‪ ،‬وقد مسيت تلك األرض واألصقاع املصاقبة على امسه‪ .‬كان ذلك‬ ‫قبل رحلة فاسكو دي كاما بقرون عديدة‪.‬‬ ‫_ كل تشابه أو تطابق يف األمساء واألماكن فهو من قبيل الصدفة البحتة‪.‬‬ ‫‪#‬فدوى_املصباحي‬

‫‪Georges Laflouf‬‬ ‫‪- 20_1‬‬‫وجوه عابرة على رصيف احلياة‬ ‫حتتفظ ذاكرتي بالكثري مما كنت أقوم به مع الرفاق على طريق الذهاب واإلياب من وإىل املدرسة والذي كانت حترثه أقدامنا‬ ‫واأللعاب واملقالب اليت كنا منارسها مع وضد بعضنا ومل انسى فنون لطيف الشيطانية مع الرفاق لإليقاع بني الطالب والطالبات‬ ‫وغزله اهلزيل بصوته النشاذ وهو يصدح بالغناء مقلدا فريد األطرش أو أم كلثوم أو فريوز وكم كانت عشتاراجلميلة وفينوس الرقيقة‬ ‫خيشيانه بالرغم من طيبته ومرحه فيحتميان بي ويتعلقان بساعدي وهنا يتصدى له جبور وتنشب املعركة وال تنتهي إال حبجرين‬ ‫ارميهما على قدميهما وتبدأ املطاردة وقصف احلجارة حتى نصل إىل مفرتق يذهبون هم من طريق إىل قريتهم واذهب انا وعشتار‬ ‫من طريق آخر إىل قريتنا وهنا تبدأ معركة جديدة مع عشتار اليت تنظر إيل بعينني عسليتني سارحتني يف فضاء وجهي وهي تنطق‬ ‫أسئلتها كشالل بارد ينحدر من تلة اعصابي دون أن ترتك يل جمال للجواب حيث اخرستين سرعة القول متى خترجون من هذه‬ ‫املتاهة اللعينة‪ ?.‬متى تتوقفون عن ممارسة هذه االفعال الشيطانية‪ ?.‬متى خترجون من الظلمة إىل النور‪ ?.‬ما تقومون به ال يثمر‬ ‫وال يشبع وال يروي عطشا فكروا مبستقبلكم حتدثوا مبا يفيدكم حتدثوا كرجال وال تلعبون وتضيعون وقتكم بألعاب األطفال‬ ‫مل أكن أعرف مبا اجيبها فقلت اهتمي بنفسك ودعينا وشأننا وال ختشني شيئا فلن يزعجك ورفيقتك أحد‬ ‫وفعال مل نزعجهما بل كنا نكن هلما كل االحرتام واالهتمام فهما الوحيدتني من صبايا هذا اجليل تابعا دراستهما‪ .‬تذهبان إىل‬ ‫مرمريتا من حبنمرة وعني الباردة سريا على األقدام وكانتا اول من حصلتا على الثانوية من الفتيات يف القريتني على ما اعتقد فقد‬ ‫كانتا مناضلتان بكل معنى الكلمة يف ذلك الزمن‬

‫طبعا األجيال التالية دخلت كل الفتيات املدارس وكان التعليم خمتلطا وللحقيقة والتاريخ مل امسع أو أرى سلوكا ال أخالقيا نتيجة‬ ‫االختالط وبالعكس االختالط هذب األخالق وعلم الفتيات االعتماد على أنفسهن والثقةيف التعامل مع الشباب والتعايش مع بعض‬ ‫باحرتام متبادل‬ ‫جرجس لفلوف سورية‬

‫‪Georges Laflouf‬‬ ‫‪- 21_1‬‬‫حلم مات يف عب بلوطة‪....‬‬ ‫محلت حقيبتها اليت مل تكن حقيبتها ومحلت امسها الذي مل يكن امسها‪ .‬مل حتملها على ظهرها ألهنا مل جتدل هي محالتها وظهرها‬ ‫ليس هو ظهرها وال حتوي احلقيبة رغيف خبز التنور وقرص الشنكليش ومنجل احلشيش بل هي مليئة بتفاهات عصر احلضارة‬ ‫املزيفة‬ ‫ذهبت إىل األرض فوجدهتا ليست هي األرض ومل يعد قناعها اخضرا بل أصبح هشيما وما مل يتغري هو تراب هذه االرض‪.‬‬ ‫ذهبت إىل نبع البلوطة فوجدته وقد اكلته الطحالب وغطت األعشاب وجهه ومل يبقى منه سوى املاء املقدسة بدفئها وبرودهتا‬ ‫خمتبئة يف حضن الزمن ‪.‬نظرت إىل البلوطة فوجدهتا عارية من أوراقها اكل اليباس اغصاهنا وسكتت أصوات عصافريها‬ ‫وهتشمت اعشاشها‪ .‬دخلت كوخ غرامها فوجدته مظلما كئيبا مليئا باحلجارة ونفايات الزمن‪ .‬نظفت مكانا هلا واستلقت على‬ ‫ترابه رمبا يصحى حلمها من نومه العميق‬ ‫تابط كتابه وتوجه مشاال سالكا الطريق إىل أرضه الطيبة املعطاء اليت طاملا أزضعته من حليبها النقي واطعمته خبزها الطيب‪.‬مل‬ ‫يكن يسوق حيواناته أمامه فلم يعد يف القرية حيوانات بل كان يسوق ذكرياته‪.‬ومل يكن يركب محاره فلم يعد هناك محري للركوب بل‬ ‫ركب قدميه ليمتع نظره يف مجال الطبيعة اليت مل تتبدل ومل تتغري ولكن الناس قد تغريت بعد ابتعادهم عن حضن امهم احلنون هذه‬ ‫األرض اليت اكلتها األشواك واتلفها االمهال‬ ‫وصل نبع البلوطة فلم جيد من يقيل عليه أو من يهتم به مهمل كشجرة البلوط وسرح يف خياله إىل مجاله ايام زمان مجال القداسة‬ ‫واألسرار اليت حيملها النبع يف اعماق قلبه‬

‫دخل الكهف فوجده مهيئا الستقباله وفوجئ جبميلة تفرتش االرض وهي تفتح ذراعيها ثم تضمهما إىل صدرها وتتمتم بكلمات‬ ‫غري مفهومة وكاهنا حتا دث انسانا جبانبها أو تستعيد حلما شوهته جروحات الزمن وال يزال عالقا يف ذاكرهتا‬ ‫افرتش االرض جبانبها والتحف اهلواء الذي يلفهما واستعاد يف خيال ذاكرته شريط حياته وأراد أن يالعب شعر مجيلة ويتلمس‬ ‫بقايا وجهها وعنقها ويالعبها العاب ايام زمان وتذكر أن الزمن ليس الزمن والعمر ليس العمر واللعبة ليست اللعبة واحلكاية ليست‬ ‫هي احلكاية ورحل يف نوم عميق قبل أن يكمل شريط خياله‬ ‫اختلط حلم مجيل مع حلم مجيلة ورحال إىل فضاء ليس للفقر والشقاء واحلزن واالمل والفراق واخلداع فيه وجود‪ .‬رحال إىل عامل ال‬ ‫مال فيه يفرق االخ عن أخيه وال شر يربئ القاتل ويعدم القتيل ‪..‬رحال إىل عامل احللم عامل احلب والسعادة واحلياة اليت ال تعرف‬ ‫الظلم ومتنح احلب واحلياة ألبناء احلياة رحال إىل عامل ال متوت فيه األحالم واآلمال‪ .‬رحال على ظهر قارب ال تستطيع رياح الغربة‬ ‫واالنانية والطمع واجلهل أن متزق شراعه‪ .‬رحال إىل جنة طاملا أكدا اهنا هنا ومات احللم الذي مل يتمكنا من حتقيقه يف عب‬ ‫البلوطة‬ ‫جرجس لفلوف سورية‬

‫‪Hafida Elkhamlichi‬‬ ‫‪- 22_1‬‬‫نظرة إنكسار‬ ‫من عيون اجلدة الذابلة‪...‬املرتهلة‪...‬املثقلة مبتاعب دروب احلياة و احباطاهتا‪،‬و خيبات األمل املتشابكة على سقيفة حميطها‬ ‫الكئيب كشجرة اللبالب إنبعثت نظرات احلزن واإلنكسار‪.‬‬ ‫أمعنت النظر يف حفيدها‪...‬تأملت ألجله‪.. .‬إنه ضحية الواقع املعاش ‪ ،‬الفاشل يف كل تفاصيله‪ ،‬العاجز عن فتح أبواب التغيريو‬ ‫التجديد‪ ،‬يكرس الفقر و اجلهل‪ ،‬حيبط كل تطلعات وأحالم الشباب بغد أفضل حيقق اهدافهم و رغباهتم ‪،‬كلها معطيات جعلت‬ ‫وجهه مستقبل حفيدها ضبابي غري واضح املعامل ‪،‬تقاسيمه ال تبشر باخلري‪.‬‬ ‫حاولت اجلدة اهلروب من هذا الواقع البائس و‬ ‫البحث عن الزمن املفقود‪ ،‬يف أوراق كتاب أيامها املاضية املهرتءة‪ ،‬لعلها تعثر على فرحة تنسيها الوجع املعاش‪ ،‬لكن ما احتفظت‬ ‫به دفيت الكتاب ‪،‬كان أشد أملا وقسوة‪ ،‬ذكرها مبا عاشته من بؤس وشقاء من أجل لقمة العيش‪ ،‬وحمنة التهجري و اخلوف أيام‬ ‫احلروب ‪ ،‬و الصراع مع املوت وجها لوجه سنوات بطش اجملاعةو أالوبءة بالسكان حلد اإلبادة‪.‬‬ ‫أحست برغبة شديدة يف البكاء للتخفيف من حدة وجعها‪،‬لكن رءفة حبفيدها‪ ،‬حتجرت دموعها احلارقة يف األحداق‪.‬‬

‫‪Hafida Elkhamlichi‬‬ ‫‪- 23_1‬‬‫ديار إحتضنت الطفولة‬ ‫متى حط بي الرحال يف أرض األبطال و شجر اللوز و األرز والصبار ‪...‬أرض الريف مسقط الرأس و أالجداد ‪...‬اجته‬ ‫مسرعة إىل تلك الديار‪ ...‬هوت اسقفها و مل يبقى منها إال اجلدران ‪ ،‬أبية شاخمة كأهلها‪ ،‬مل تستسلم جلربوت الطبيعة‬ ‫واإلمهال‪...‬أمتسح هبا ‪،‬أملسها‪ ،‬كأني أتربك هبا و بأرواح من سكنها من األجداد الصاحلني‪ ،‬ألجدد نفسي و أشحن روحي‬ ‫بطاقتهم الروحانية والنورانية‪.‬‬ ‫اتأمل كل تفاصيل املكان‪...‬تأخذني بعيدا يف الزمان ‪ ،‬إىل الركن املريح و األمن بالذاكرة ‪...‬ركن ذكريات الطفولة املعاشة خلف‬ ‫هذه األبواب و بفضاءها الواسع ‪...‬كانت طفولة باملعنى احلقيقي لذلك‪ ،‬حبماستها‪،‬مرحها‪،‬هذياهناو جنوهنا‪...‬هنارا نتفنن يف‬ ‫اخرتاع األلعاب مبا تتيحه لنا الطبيعة من إمكانيات‪ ،‬نتقاسم متعتها بكل تلقائية و حمبة و براءة‪...‬إن أخطأنا التصرف واملعاملة‪،‬‬ ‫نعاقب من طرف اجلدة‪ ،‬خبطاهبا املدجج باحلكم الشعبية ‪ ،‬نأخذ منها املوعظة و العربة و اإلرشاد‪.‬‬ ‫ليال نتسامر حتت ضوء القمر على حكايات اجلن والساحرة ومجيلة اجلميالت‪ .‬نتقاسم الفراش و اللقمة بكل سعادة و إيثار‪.‬‬ ‫هذا الفضاء رغم بساطته وضعف امكانياته‪ ،‬جعل من عامل طفولتنا ربيع داءم‪ ،‬مزهر زاهي األلوان ‪،‬مزين بشقائق النعمان‬ ‫وباقات الزعرت واليامسني‪.‬‬

‫‪Hafida Elkhamlichi‬‬ ‫‪- 24_1‬‬‫لست دمية‪....‬‬ ‫خيوط متسك هبا يد شيطان ‪ ...‬حتركك يف كل االجتاهات‪ ،‬تتالعب بك حسب هواه ‪،‬وانت بني يديه لعبة جوفاء بال إحساس‬ ‫وال مشاعر ‪،‬فقط املظهر هو املعيار‪...‬للنشوة و اإلجتار‪...‬إن ذبلت جاذبيتك‪ ،‬جعل مصريك مزبلة التاريخ‪ ،‬أو سوق النخاسة‪.‬‬ ‫من أرغمك على دخول عامل الرذيلة‪ ،‬والصرب على هذا اهلوان‪...‬‬ ‫‪.‬كل األحكام الدينية و القانونية لن جتربك على اخلضوع له‪ ...‬حتى جيعل منك عبدا ذليال مطيعا يف جمالسه اجملونية ولياليه‬ ‫الشيطانية‪.‬‬ ‫أنت إنسان قبل أن تكوني أنثى‪ ،‬لك العقل المتهان ما يصون انسانيتك يف احلياة‪ ،‬معايريه الكفاءة و املهارة و ليس اجلمال‪ ،‬بل تزداد‬ ‫قيمتك املهنية مع تقدم العمر ‪ ،‬مبا راكمت من خربات وجتارب‪،‬و ما لك من حكمة و اتزان‪.‬‬ ‫أنت لست دمية بني يديه يلهو هبا متى ما يريد‪ ،‬ويرميها متى ما يريد إىل أبعد مكان ‪...‬إنك إنسان‪.‬‬

Get in touch

Social

© Copyright 2013 - 2024 MYDOKUMENT.COM - All rights reserved.